اسم الکتاب : منازل النفس المطمئنة المؤلف : أبو لحية، نور الدين الجزء : 1 صفحة : 420
وقد قال بعض الحكماء معبرا عن ذلك: (إن
كل من كان أكثر علما بأحوال عالم الغيب كان أقوى قلبا وأقل ضعفا، ولهذا قال الإمام
علي: (والله، ما قلعت باب خيبر بقوة جسدانية، ولكن بقوة ربانية)، وذلك لأنه في ذلك
الوقت انقطع نظره عن عالم الأجساد وأشرقت الملائكة بأنوار عالم الكبرياء، فتقوى
روحه وتشبه بجواهر الأرواح الملكية وتلألأت فيه أضواء عالم القدس والعظمة، فلاجرم
حصل له من القدرة ما قدر بها على ما لم يقدر عليه غيره، وكذلك العبد إذا واضب على
الطاعات بلغ إلى المقام الذي يقول الله: (كنت له سمعا وبصرا)؛ فإذا صار نور جلال
الله سمعا له سمع القريب والبعيد، وإذا صار ذلك النور بصرا له رأى القريب والبعيد،
وإذا صار ذلك النور يدا له قدر على التصرف في الصعب والسهل والبعيد والقريب)
([1006])
وقال آخر معبرا عن دور الشجاعة في
التحقق بجميع الفضائل الخلقية: (اعلم أن كل كريهة ترفع، أو مكرمة تكتسب لا تتحقق
إلا بالشجاعة، ألا ترى أنك إذا هممت أن تمنح شيئا من مالك خار طبعك، ووهن قلبك،
وعجزت نفسك، فشححت به، وإذا حققت عزمك، وقويت نفسك، وقهرت ذلك العجز، أخرجت المال
المضنون به، وعلى قدر قوة القلب وضعفه تكون طيبة النفس بإخراجه، أو كراهية النفس
لإخراجه مع إخراجه، وعلى هذا النمط جميع الفضائل، مهما لم تقارنها قوة نفس لم
تتحقق، وكانت مخدوعة. فالجبان يفر عن أمه وأبيه. والشجاع يقاتل عمن لا يثوب به إلى
رحله، فبقوة القلب يصاب امتثال الأوامر والانتهاء عن الزواجر، وبقوة القلب يصاب
اكتساب الفضائل، وبقوة القلب ينتهى عن اتباع الهوى والتضمخ بالرذائل. وبقوة القلب
يصبر الجليس على إيذاء الجليس وجفاء الصاحب، وبقوة القلب يكتم الأسرار ويدفع
العار، وبقوة القلب يقتحم الأمور