اسم الکتاب : منازل النفس المطمئنة المؤلف : أبو لحية، نور الدين الجزء : 1 صفحة : 365
وغنائه
وجوده ولطفه على عباده سبب الرجاء، والنظر إلى شدة بأس الله وبطشه وما أوعد
العاصين من عباده موجب للخوف، مع أنّ أسباب الخوف ترجع إلى نقص العبد وتقصيره،
وسوء أعماله وقصوره عن الوصول إلى مراتب القرب والوصال، وانهماكه فيما يوجب
الخسران والوبال، وأسباب الرجاء تؤول إلى لطف الله ورحمته وعفوه وغفرانه ووفور
إحسانه، وكل منهما في أعلى مدارج الكمال)([857])
وفسر
ذلك، فقال: (الرجاء هو ارتياح القلب لانتظار ما هو محبوب، ولكن ذلك المحبوب
المتوقع لا بد وأن يكون له سبب، فإن كان انتظاره لأجل حصول أكثر أسبابه، فاسم
الرجاء عليه صادق، وإن كان ذلك انتظارا مع عدم تهيئ أسبابه واضطرابها، فاسم الغرور
والحمق عليه أصدق من اسم الرجاء، وإن لم تكن الأسباب معلومة الوجود ولا معلومة
الانتفاء، فاسم التمني أصدق على انتظاره لأنه انتظار من غير سبب)
وشبه
آخر ذلك بعمل الفلاح الذي يبذل جهده في تنقية الأرض وبذر البذور، ثم ينتظر فضل
الله تعالى بإنزال المطر، فهذا هو الرجاء الحقيقي، وهكذا الأعمال، فـ (الدنيا
مزرعة الآخرة، والقلب كالأرض، والإيمان كالبذر فيه، والطاعات جارية مجرى تقليب
الأرض وتطهيرها، ومجرى حفر الأنهار وسياقة الماء إليها، والقلب المستغرق بالدنيا
كالأرض السبخة التي لا ينمو فيها البذر ويوم القيامة الحصاد، ولا يحصد أحد إلا ما
زرع، ولا ينمو زرع إلا من بذر الإيمان، وقلما ينفع إيمان مع خبث القلب وسوء
أخلاقه، كما لا ينمو بذر في أرض سبخة.. فينبغي أن يقاس رجاء العبد للمغفرة برجاء
صاحب الزرع، فكل من طلب أرضا طيبة، وألقى فيها بذراً جيداً غير عفن ولا مسوس، ثم
أمدّه بما يحتاج إليه وهو سياق الماء إليه في أوقاته، ثم نقّى الأرض عن الشوك
والحشيش، وكل ما يمنع