اسم الکتاب : منازل النفس المطمئنة المؤلف : أبو لحية، نور الدين الجزء : 1 صفحة : 177
وهذا ما لاحظه الصديقون..
فقد رأوا أن الذي يعمل لرجاء الجنة وخوف النار مخلص بالإضافة إلى الحظوظ العاجلة،
وإلا فهو في طلب حظوظ آجلة.. والمطلوب الحق لذوي الألباب وجه الله تعالى فقط.
ولذلك قيل لبعض الصالحين:(كيف
رغبتك في الجنة؟)، فقالت:(الجار ثم الدار)
وهو نفس ما رددته امرأة
فرعون عندما قالت:﴿ رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتاً فِي الْجَنَّةِ
﴾ (التحريم:11) فقدمت الجار قبل الدار.
ولا يمكن أن يصل إلى هذه
الدرجة إلا المحبون الذي شغلهم محبوبهم عن كل شغل.. وحال هؤلاء كحال العاشق
المستهتر بمعشوقه المستوفي همه بالنظر إلى وجهه والفكر فيه، فإنه في حال الاستغراق
غافل عن نفسه لا يحس بما يصيبه في بدنه، لم يبق في قلبه متسع لغير محبوبه حتى
يلتفت إليه لا نفسه ولا غير نفسه، كما أشار الله تعالى إلى ذلك عندما ذكر النسوة
في قصة يوسف، فقال:﴿ فَلَمَّا سَمِعَتْ بِمَكْرِهِنَّ أَرْسَلَتْ
إِلَيْهِنَّ وَأَعْتَدَتْ لَهُنَّ مُتَّكَأً وَآتَتْ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ
سِكِّينًا وَقَالَتِ اخْرُجْ عَلَيْهِنَّ فَلَمَّا رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ
وَقَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ وَقُلْنَ حَاشَ لِلَّهِ مَا هَذَا بَشَرًا إِنْ هَذَا
إِلَّا مَلَكٌ كَرِيمٌ (31)﴾ (يوسف)
إذا عرفت هذا ـ أيها
المريد الصادق ـ فاعلم أن النصوص المقدسة تعتبر الإخلاص والتجرد ـ بأدنى درجاته ـ
من الواجبات الشرعية، التي لا تختلف عن الصلاة والصيام وغيرها من الشعائر
التعبدية.. بل إنه لا يصح أي عمل، ولا يقبل، ما لم يتوفر فيه هذا الشرط.
ومن تلك الآيات التي تجمع
بين الأمر بالإخلاص وغيره من العبادات قوله تعالى: ﴿ قُلْ أَمَرَ رَبِّي
بِالْقِسْطِ وَأَقِيمُوا وُجُوهَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَادْعُوهُ
مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ كَما بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ (29)﴾ (الأعراف)
اسم الکتاب : منازل النفس المطمئنة المؤلف : أبو لحية، نور الدين الجزء : 1 صفحة : 177