اسم الکتاب : منازل النفس المطمئنة المؤلف : أبو لحية، نور الدين الجزء : 1 صفحة : 152
كان يختزن رحمات كثيرة،
ليس لأبيه فقط، وإنما لخلق كثير، ولهذا قال يوسف عليه السلام مخاطبا أباه بعد تلك
الرحلة الطويلة: ﴿يَاأَبَتِ هَذَا تَأْوِيلُ رُؤْيَايَ مِنْ قَبْلُ قَدْ
جَعَلَهَا رَبِّي حَقًّا وَقَدْ أَحْسَنَ بِي إِذْ أَخْرَجَنِي مِنَ السِّجْنِ
وَجَاءَ بِكُمْ مِنَ الْبَدْوِ مِنْ بَعْدِ أَنْ نَزَغَ الشَّيْطَانُ بَيْنِي
وَبَيْنَ إِخْوَتِي إِنَّ رَبِّي لَطِيفٌ لِمَا يَشَاءُ إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ
الْحَكِيمُ﴾ [يوسف: 100]
وهكذا يمتلئ القرآن الكريم
بذكر هذه المعاني المملوءة بالعبر، ومن أهم عبرها الثقة في الله تعالى وتدبيره،
كما روي عن الإمام علي قوله: (كن لما لا ترجو أرجى منك لما ترجو، فإنّ موسى بن
عمران عليه السلام خرج يقتبس لأهله ناراً، فكلّمه الله عزّ وجلّ فرجع نبياً، وخرجت
ملكة سبأ فأسلمت مع سليمان عليه السلام، وخرج سحرة فرعون يطلبون العزّة لفرعون،
فرجعوا مؤمنين)([308])
ولذلك كان الاعتراض على
الله تعالى، وطلب اختبارات خاصة منه، دليلا على الجهل البالغ، فالله تعالى أعلم
بعباده، ولذلك يختبر كل واحد منهم بما يتناسب معه، قال تعالى: ﴿أَلَا
يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ﴾ [الملك: 14]
وفي الحديث القدسي عن رسول
الله a أنه قال: (إنّ من عبادي المؤمنين لعباداً لا يصلح لهم أمر
دينهم إلا بالفاقة والمسكنة، والسقم في أبدانهم، فأبلوهم بالفاقة والمسكنة والسقم،
فيصلح لهم عليه أمر دين عبادي.. وإنّ من عبادي المؤمنين لمن يجتهد في عبادتي،
فيقوم من رقاده ولذيذ وساده، فيتهجد لي الليالي، فيُتعب نفسه في عبادتي، فأضربه
بالنعاس الليلة والليلتين نظرا مني له وإبقاء عليه، فينام حتى يصبح فيقرأه وهو
ماقت لنفسه، زارٍ عليها، ولو أُخلّي بينه وبين ما يريد من عبادتي لدخله من ذلك
العجب، فيصيره العجب إلى الفتنة بأعماله، فيأتيه من ذلك ما فيه هلاكه لعجبه
بأعماله، ورضاه عن نفسه عند حدّ