اسم الکتاب : منازل النفس المطمئنة المؤلف : أبو لحية، نور الدين الجزء : 1 صفحة : 128
خطابهم بما لا يفهمونه أوتطيقه عقولهم، وقد قال رسول الله a:
(ما حدّث أحدكم قوما بحديث لا يفقهونه إلّا كان فتنة عليهم) ([238])
و قال: (كلّموا النّاس بما يعرفون ودعوا ما ينكرون، أتريدون أن
يكذب اللَّه ورسوله؟)([239])
واعلم ـ أيها المريد
الصادق ـ بعد هذا أن الأنس يبدأ من أول مراحل السير إلى الله تعالى، ذلك أن الله
بفضله وكرمه يجعل السائرين إليه ممتلئين بالأنس، إما بالأوراد التي يرددونها، أو
بالمعاني التي تخطر على بالهم حال الذكر، أو بغيرها من المعاني.. لكن الدرجة
العظمى هي الأنس بالله.. وهي مرحلة تحتاج الكثير من التزكية.
ولهذا ترى الحكماء يصنفون
دوافع الأنس بحسب المرتبة التي يكون فيها السالك، كما عبر عن ذلك بعضهم، فقال: (الأنس
على ثلاث درجات: الدرجة الأولى: الأنس بالشواهد، وهو استحلاء الذكر، والتغذي
بالسماع، والوقوف على الإشارات.. والدرجة الثانية: الأنس بنور الكشف، وهو أنس شاخص
عن الأنس الأول، تشوبه صولة الهيمان، ويضربه موج الفناء. وهذا الذي غلب قوماً على
عقولهم، وسلب قوماً طاقة الاصطبار، وخل عنهم قيود العلم.. والدرجة الثالثة: أنس
اضمحلال في شهود الحضرة، لا يعبَّر عن عينه، ولا يشار إلى حده، ولا يوقف على كنهه)([240])
وقال آخر: (أهل الأنس في
الأنس على ثلاثة أحوال: فمنهم: من أنس بالذكر، واستوحش من الغفلة، وأنس بالطاعة،
واستوحش من الذنب.. والحال الثاني من الأنس:
[238] رواه العقيلي في
الضعفاء وابن السني وأبو نعيم.
[239] رواه البخاري
موقوفا على على ورفعه أبو منصور الديلمي في مسند الفردوس من طريق أبي نعيم.