اسم الکتاب : منازل النفس المطمئنة المؤلف : أبو لحية، نور الدين الجزء : 1 صفحة : 121
الانس و الشوق
كتبت إلي ـ أيها المريد
الصادق ـ تسألني عن تلك الأحوال الناتجة عن المحبة الإلهية، والتي يذكرها السالكون
عن أنفسهم، من الأنس بالمحبوب، والشوق إليه، والخوف من القطيعة والهجر، وغير ذلك.
وجوابا على سؤالك الوجيه
أذكر لك أن تلك الأحوال، والتي قد تختلف باختلاف درجات المحبة، علامات على صدقها؛
ذلك أن من مقتضيات الحب الأنس بالمحبوب حال حضوره، والشوق إليه حال غيابه، والخوف
من الهجر والقطيعة، والهيبة منهما.. وغير ذلك مما يذكره المحبون عن أنفسهم، مهما
اختلفت الجهات التي توجهوا إليها بحبهم.
ذلك أن الحب واحد في
الجميع، والفرق بين أنواع المحبة، ليس في ذاتها، وإنما في الجهة التي يتوجه إليها.
وقد أخبر الله تعالى عن
شوق يعقوب عليه السلام الشديد لابنه إلى الدرجة التي أصيب فيها بالعمى.. ثم أخبر
عن عودة بصره إليه بعد ذلك بمجرد أن شم قميصه.. وكل ذلك دليل على شدة محبته له..
ذلك أنه يستحيل أن يتحقق الشوق أو الأنس أو غيرهما من الأحوال من دون أن تكون هناك
محبة تدفع لذلك.
ولذلك ترى الصالحين قد
يستشهدون للتعبير عن أحوالهم بما قاله غيرهم من المحبين، لا لكونهم قد وقعوا في
ذلك الحب المدنس الذي وقع فيه غيرهم، وإنما لأن الأحوال متشابهة، وإن كان المحبوب
مختلفا.
ولو أنك ـ أيها المريد
الصادق ـ تأملت تلك المناجاة العظيمة التي كان يرددها الإمام السجاد، والتي يطلق
عليها [مناجاة المحبين]، لوجدته يذكر فيها الكثير من تلك المعاني.
اسم الکتاب : منازل النفس المطمئنة المؤلف : أبو لحية، نور الدين الجزء : 1 صفحة : 121