اسم الکتاب : مدارس النفس اللوامة المؤلف : أبو لحية، نور الدين الجزء : 1 صفحة : 628
اقامه الشهاده
كتبت إلي ـ أيها المريد
الصادق ـ تسألني عن أولئك الذين تصوروا أن غرض الدين قاصر على تزكية النفس
وترقيتها في مراتب الولاية، وأن المؤمن الصالح هو الذي يكتفي بنفسه، أو بأهله
الأقربين دون أن يكون له اهتمام بما يجري في العالم من أحداث سياسية وغيرها، وأنه
ليس ملزما بإصلاح العالم، وإنما هو ملزم بإصلاح نفسه فقط.
وجوابا
على سؤالك الوجيه أذكر لك أن هذا الذي وصفت لم يفهم أغراض الإسلام، ولا أغراض
التزكية، ولذلك فاته من التزكية ومراتبها العالية بقدر قصور فهمه.
ولو
أنه عاد للمصادر المقدسة، التي لا يفهم الدين إلا منها، لعرف خطأ المسار الذين
اختاره، والفهم الذي فهمه، ذلك أن الله تعالى أمر أفراد الأمة في القرآن الكريم
بألا يكتفوا بإصلاح أنفسهم، وإنما بإعطاء النموذج الصالح للصلاح والتقوى، حتى
يهتدي بهم الخلق، وقد سمى الله تعالى ذلك شهادة، فقال: ﴿يَاأَيُّهَا
الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ﴾
[النساء: 135]
فالآية الكريمة تأمر
المؤمنين بأن يتولوا وظيفة الدعوة للقسط والعدالة، في كل مستوياتها ومجالاتها، وأن
يوفروا لأنفسهم من الصفات ما يؤهلم لإعطاء النموذج الحسن في ذلك.
ولهذا، فإن المؤمنين الذين
يكتفون بالاهتمام بأنفسهم، ويقصرون في حق الدعوة إلى الله، وإلى العدالة التي أمر
بها، ويقصرون في مواجهة الظلمة والمستبدين، لا يختلفون كثيرا عن أولئك الذين كانوا
يقولون: دعوا ما لقيصر لقيصر، وما لله لله..
والمؤمن لا يقول ذلك.. بل
هو يسعى لأن يحكم شريعة الله في خلقه.. ويحكم معها
اسم الکتاب : مدارس النفس اللوامة المؤلف : أبو لحية، نور الدين الجزء : 1 صفحة : 628