responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : مدارس النفس اللوامة المؤلف : أبو لحية، نور الدين    الجزء : 1  صفحة : 510

الرؤية الثانية تعتبرها أصلا وهدفا وغاية، بينما الرؤية الإيمانية تراها مجرد وسائل لحفظ الوجود الإنساني على الأرض، أما الغاية فأكبر بكثير.

وقد ضرب بعض الحكماء مثالا عن حقيقة الإنسان ـ التي هي روحه وسر وجوده ـ وعلاقته ببدنه بملك في مدينته ومملكته، فالبدن مملكة النفس وعالمها ومستقرها ومدينتها، والجوارح وقواها بمنزلة الصناع والعملة، والقوة العقلية المفكرة كالمشير الناصح والوزير العاقل، والشهوة كالعبد يجلب الطعام إلى المدينة، والغضب والحمية كالحرس والشرطة.

أما العبد الجالب للطعام، والذي يمثل الشهوة، فهو كذاب ماكر مخادع، يتمثل بصورة الناصح، وهو في علاقة عداء تام مع الوزير الناصح حتى لا يخلو من منازعته ومعارضته ساعة.

فإذا كان الوالي في مملكته مستغنياً في تدبـيراته بوزيره معرضاً عن إشارة هذا العبد الخبـيث، أدبه صاحب شرطته، وساسه لوزيره وجعله مؤتمراً له مسلطاً من جهته على هذا العبد الخبـيث وأتباعه وأنصاره، حتى يصير العبد مسوساً لا سائساً، ومأموراً مدبَراً لا أميراً مدبِراً.

وفي هذه الحالة يستقيم أمر البلد، وينتظم العدل بسببه.

وهكذا النفس متى استعانت بالعقل، وأدبت بحمية الغضب، وسلطتها على الشهوة، واستعانت بإحداهما على الأخرى تارة بأن تقلل مرتبة الغضب وغلوائه بمخالفة الشهوة واستدراجها، وتارة بقمع الشهوة وقهرها بتسليط الغضب والحمية عليها وتقبـيح مقتضياتها، اعتدلت قواها وحسنت أخلاقها.

ولذلك، فإن الذين يدعون العقلاينة ويقولون للناس: (إن هذه هي غرائزكم.. فلا تكبتوها..) هم في الحقيقة يرمونهم كل مرة في هاوية من البهيمية يصعب عليهم الخروج

اسم الکتاب : مدارس النفس اللوامة المؤلف : أبو لحية، نور الدين    الجزء : 1  صفحة : 510
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست