اسم الکتاب : مدارس النفس اللوامة المؤلف : أبو لحية، نور الدين الجزء : 1 صفحة : 507
الفکر و التامل
كتبت إلي ـ أيها المريد الصادق ـ تسألني عن الفكر والتأمل،
ودورهما في التزكية والترقية، وكيفية الرد على أولئك الذين يحتقرون العقل،
ويتوهمون أنه يتناقض مع الدين، لأن الدين مبني على النقل، لا على العقل.
وجوابا على سؤالك الوجيه أذكر لك أن الدين السليم مبني على
العقل السليم.. وبقدر سلامة العقل يسلم الدين.. وبقدر انحراف العقل ينحرف الدين.
والأمر في ذلك يشبه الأواني والطعام.. فالأواني إن كانت
قذرة مملوءة بالأوساخ والسموم؛ فإن تأثيرها سينتقل إلى الطعام، حتى لو كان عسلا
مصفى، ليتحول إلى عسل مملوء بالنجاسة وأصناف السموم.
لذلك كان صفاء العقل وسلامته هو الضامن لسلامة الدين، حتى
لا يتحول إلى دين الأمزجة المنحرفة، والأهواء الفاسدة.
ومثل ذلك التزكية والترقية؛ فإنها لا يمكن أن تتم إلا بعد
عودة العقل إلى محله الصحيح في التحكم في النفس، بعد أن يزيح عنها حكم القوى
المتسلطة عليها، والتي تتحكم فيها الأهواء ومن يساندها من شياطين الإنس والجن.
وحتى تعي هذا ـ أيها المريد الصادق ـ
سأذكر لك ما اتفق عليه الحكماء، ومن جميع الملل؛ فقد ذكروا أن الوجود الدنيوي
للإنسان يتطلب وسائل خاصة يتمكن بها الإنسان من السكن على هذه الأرض، كما يتطلب
رائد الفضاء لباس خاصا يتناسب مع جو القمر، أو أي جو يريد أن يتعامل معه.
واللباس الذي يتناسب مع هذه الأرض، هو هذا الجسد الترابي،
وخصائصه هي
اسم الکتاب : مدارس النفس اللوامة المؤلف : أبو لحية، نور الدين الجزء : 1 صفحة : 507