اسم الکتاب : مدارس النفس اللوامة المؤلف : أبو لحية، نور الدين الجزء : 1 صفحة : 460
إذا
عرفت هذا ـ أيها المريد الصادق ـ فاعلم أن المشارطة تختلف باختلاف السالكين،
والمراتب التي بلغوها، والآفات التي يتعرضون لها.. ولذلك يحتاج من يريد التزكية
إلى تشخيص حال نفسه، والمثالب التي يمكن أن تكون متصفة بها، ليعمل على مجاهدتها،
ويضع لها البرنامج اليومي الخاص بذلك.
وبناء
على كون المثالب الباطنية تبرز عبر الجوارح الظاهرة؛ فإن على المريد الصادق أن
يتفقد هذه الجوارح يوميا، ويلزمها بما تقتضيه الأخلاق الطيبة، إلى أن يتمكن من
إصلاح باطنه عبر إصلاح ظاهره، بالإضافة لما ذكرته لك في رسائلي السابقة حول مثالب
النفس الأمارة.
يقول
بعض الحكماء ـ شارحا كيفية إجراء المشارطة المرتبطة بالتزكية ـ: (ثم يستأنف لها
وصية في اعضائه السبعة: أعنى العين، والأذن، واللسان، والفرج، والبطن، واليد،
والرجل، ويسلمها إليها، لأنها رعايا خادمة لها في التجارة، ولا يتم اعمال هذه
التجارة إلا بها، فيوصيها بحفظ هذه الأعضاء عن المعاصي التي تصدر عنها، وبإعمال كل
منها فيما خلق لأجله، ثم يوصيها بالاشتغال بوظائف الطاعات التي تتكرر عليه في
اليوم والليلة، بالنوافل والخيرات التي تقدر عليها، وهذه شروط يفتقر إليها كل يوم) ([979])
وقد
اتفق الحكماء على أن الثقل والشدة تبدأ في أول الأمر، لكن النفس بعد ذلك تتعود،
وقد لا يصبح صاحبها محتاجا للمشارطة، لكنه يظل محتاجا للمراقبة والمحاسبة، حتى
تصبح تلك الملكات الطيبة راسخة فيها مطمئنة إليها.
ويظل
محتاجا كذلك لإضافة المزيد من المشارطات لأن (كل من يشتغل بشيء من أعمال الدنيا:
من ولاية، أو تجارة، أو تدريس أو أمثال ذلك، لا يخلو كل يوم منه من مهم