اسم الکتاب : مدارس النفس اللوامة المؤلف : أبو لحية، نور الدين الجزء : 1 صفحة : 430
المجاهد الکبری
كتبت
إلي ـ أيها المريد الصادق ـ تسألني عن مجاهدة النفس، وكيفيتها، وعلاقتها بالتزكية
والترقية، وكيفية الرد على أولئك الذين يستدلون بما ورد في النصوص المقدسة من
حنيفية الدين وسماحته ورفع الحرج على بدعية المجاهدة.
وجوابا
على سؤالك الوجيه أذكر لك أن مجاهدة النفس هي مدرسة من مدارس التزكية والترقية
الكبرى؛ فتلك المراتب الرفيعة التي ينالها من هذبوا أنفسهم وأدبوها وملؤوها بأصناف
المكارم لا يمكن أن ينالها الكسالى، ولا المقعدون، ولا أصحاب الهمم الدنية، بل هي
مخصصة للذين جاهدوا أنفسهم في ذات الله، حتى لانت لهم، وأصبحت طوع أيديهم؛ لا
تحركهم الشهوات، ولا تستفزهم الأهواء.
ولذلك
أخبر الله تعالى أن هدايته الشاملة مخصصة للذين جاهدوا أنفسهم في سبيله، فقال: ﴿وَالَّذِينَ
جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ الله لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ﴾
[العنكبوت: 69]
وأخبر
عن جزاء من عارض هواه وجاهده، فقال: ﴿وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ
وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى (40) فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى﴾
[النازعات: 40، 41]
وذلك
لا يعارض ما ورد في النصوص المقدسة من رفع الحرج؛ كما قال تعالى: ﴿طه (1)
مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى﴾ [طه: 1، 2]، وقال: ﴿مَا
يُرِيدُ الله لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ
وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ﴾ [المائدة: 6]،
ذلك أن لكليهما محله الخاص به.
فمن
كان مهذب النفس، طيب الأخلاق، منقادا لأحكام الشريعة بظاهره وباطنه؛ فإنه لا يشعر
بأي حرج في أي عمل يقوم به، ولا يحتاج لمجاهدة نفسه لذلك، بل إنه قد يتلذذ
اسم الکتاب : مدارس النفس اللوامة المؤلف : أبو لحية، نور الدين الجزء : 1 صفحة : 430