اسم الکتاب : مدارس النفس اللوامة المؤلف : أبو لحية، نور الدين الجزء : 1 صفحة : 27
النیه الخالصه
تبت
إلي ـ أيها المريد الصادق ـ تخبرني عن فهمك العام لمناهج السير والسلوك إلى الله تعالى
من خلال قوله تعالى: ﴿وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ وَإِنَّهَا
لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ﴾ [البقرة: 45]، واستيعابها لكل
فروع المناهج ومدارسها مع كثرتها.
وقد
طلبت مني أن أفصل لك الحديث في النية باعتبارها أول ركن من أركان الصلاة، وكيف يمكن
أن تتحول إلى مدرسة تربوية، تهذب النفس وتزكيها، وتعرج بها وترقيها، وعن علاقة ذلك
بالصبر والمصابرة والمجاهدة.
وجوابا
على سؤالك الوجيه أذكر لك أن النية ليست مجرد ركن من أركان الصلاة، أو ركن من
أركان أي عمل صالح، بل هي في حد ذاتها مدرسة للتزكية؛ فلا يمكن أن تنطلق التزكية
ولا التربية ولا الترقية من دون أن تتوفر النية الداعية لذلك كله.
ذلك
أنها الواسطة بين العلم والعمل، (إذ ما لم يعلم أمر لم يقصد، وما لم يقصد لم يفعل،
فالعلم مقدم على النية وشرطها، والعمل ثمرتها وفرعها، إذ كل فعل وعمل يصدر عن فاعل
مختار، فإنه لا يتم إلا بعلم وشوق وإرادة وقدرة) ([11])
ولذلك
كان الاهتمام بها وبتصحيحها أولى من كل الأعمال؛ فرب أعمال كثيرة، وجهود عظيمة،
تفتقر إلى النية الصالحة الخالصة؛ فتتحول إلى هباء منثور لا يغني صاحبها شيئا، كما
قال تعالى: ﴿وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ
هَبَاءً مَنْثُورًا﴾ [الفرقان: 23]
بل
إنها قد تنتقل من الطاعة إلى المعصية، وينتقل الجزاء المرتبط بها من سجل الحسنات
إلى سجل السيئات، وينتقل محل صاحبها من الجنة إلى النار، مع أن العمل واحد،