وتكاثروا عليه وقد أثخن بالجراح،
فطعنه رجل من خلفه فخر إلى الأرض فأُخذ أسيراً[1].
وقد
شاء الله أن يكون أسره مثل جهاده رمزا للبطولة والشجاعة والصدق والثبات، فقد روي
أنه لما أدخل على ابن زياد لم يسلم عليه، فقال له الحرس: سلّم على الأمير، فقال
له: اسكت، ويحك، والله ما هو لي بأمير، فقال ابن زياد: لا عليك، سلمت أم لم تسلم
فإنك مقتول، فقال له مسلم: (إن قتلتني فلقد قتل مَن هو شرّ منك مَن هو خير منّى،
وبعد فإنك لا تدع سوء القتلة وقبح المثلة وخبث السريرة ولؤم الغلبة لا أحد أولى
بها منك)
وهكذا
ابتهل تلك الفرصة ليجري حوارا مع ابن زياد، لا يزال مثالا على الشجاعة والرسالية
والصدق، وسننقله هنا ـ كما ذكره المؤرخون[2]
ـ لنرى فيه الفرق بين الصادقين من أصحاب الإمام
الحسين والثابتين معه، وأولئك المثبطين المتخاذلين
الراكنين للدنيا، والذين دعتهم أهواؤهم إلى التخلف عنه.
فقد
روي أن ابن زياد قال له: يا عاق يا شاق خرجت على إمامك وشققت عصا المسلمين وألحقت
الفتنة.
فقال
مسلم: كذبت يا بن زياد! إنّما شقّ عصا المسلمين معاوية وابنه يزيد، وأمّا الفتنة
فإنّما ألحقها أنت وأبوك زياد بن عبيد عبد بنى علاج من ثقيف، وأنا أرجو أن يرزقني
الله الشهادة على يدي شرّ بريته.
فقال
ابن زياد: منتك نفسك أمراً حال الله دونه، وجعله لأهله.