اسم الکتاب : الأبعاد الشرعية لتربية الأولاد المؤلف : أبو لحية، نور الدين الجزء : 1 صفحة : 490
تصديق مهما
قال اللسان، ومهما تعبد الإنسان. إن حقيقة الإيمان حين تستقر في القلب تتحرك من
فورها لكي تحقق ذاتها في عمل صالح، فإذا لم تتخذ هذه الحركة فهذا دليل على عدم
وجودها أصلا وهذا ما تقرره هذه السورة نصا)[1]
ويعلق على
قوله تعالى: ﴿ فَذَلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ وَلَا يَحُضُّ عَلَى
طَعَامِ الْمِسْكِينِ ﴾، فيقول:(إنها تبدأ بهذا الاستفهام الذي يوجه كل من
تتأتى منه الرؤية ليرى: أرأيت الذي يكذب بالدين؟ وينتظر من يسمع هذا الاستفهام
ليرى إلى أين تتجه الإشارة وإلى من تتجه؟ ومن هو هذا الذي يكذب بالدين، والذي يقرر
القرآن أنه يكذب بالدين.. وإذا الجواب: فذلك الذي يدع اليتيم ولا يحض على طعام
المسكين )
فالقرآن
الكريم يعرف الدين في هذه السورة تعريفا يختلف عما عهده الناس من تعاريف، فهو ينقل
الدين من المعابد التي تصورها الناس إلى معابد جديدة غفلت عنها الديان، يقول سيد:(وقد
تكون هذه مفاجأة بالقياس إلى تعريف الإيمان التقليدي.. ولكن هذا هو لباب الأمر
وحقيقته.. إن الذي يكذب بالدين هو الذي يدفع اليتيم دفعا بعنف - أي الذي يهين
اليتيم ويؤذيه. والذي لا يحض على طعام المسكين ولا يوصي برعايته. فلو صدق بالدين
حقا، ولو استقرت حقيقة التصديق في قلبه ما كان ليدع اليتيم، وما كان ليقعد عن الحض
على طعام المسكين. إن حقيقة التصديق بالدين ليست كلمة تقال باللسان ؛ إنما هي تحول
في القلب يدفعه إلى الخير والبر بإخوانه في البشرية، المحتاجين إلى الرعاية
والحماية. والله لا يريد من الناس كلمات. إنما يريد منهم معها أعمالا تصدقها، وإلا
فهي هباء، لا وزن لها عنده ولا اعتبار)[2]
وقد ذكر
الغزالي درجات المؤمنين في قيامهم بما يتطلبه هذا الركن من البذل،