ومن أهم أسباب الغضب وأخطرها تعظيم الغضب واعتقاد أنه نوع من الشجاعة
والرجولية وعزة النفس وكبر الهمة، (وتلقيبه بالألقاب المحمودة غباوة وجهلاً حتى
تميل النفس إليه وتستحسنه. وقد يتأكد ذلك بحكاية شدة الغضب عن الأكابر في معرض
المدح بالشجاعة، والنفوس مائلة إلى التشبه بالأكابر فيهيج الغضب إلى القلب بسببه)[2]
ولهذا عالج a هذا السبب بأن
اعتبر الشديد القوي المتمكن من الرجولة من يمسك نفسه عند الغضب، فقال a:(ليس الشديد بالصرعة، إنما
الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب)[3]، وفي رواية أخرى:(أتحسبون
أن الشدة في حمل الحجارة؟ إنما الشدة في أن يمتلئ أحدكم غيظا ثم يغلبه)[4]، وفي رواية:(ألا أدلكم على أشدكم؟ أملككم لنفسه
عند الغضب)[5]
وتأمل الواقع وحده يدل على أن الغضب المذموم لا يقع في العادة إلا من
الضعفاء الذين يستسلمون لأهوائهم أو تصرعهم أهواؤهم لا من الأقوياء المتمكنين من
أنفسهم، قال الغزالي:(وتسمية هذا عزة نفس وشجاعة جهل بل هو مرض قلب ونقصان عقل وهو
لضعف النفس ونقصانها، وآية أنه لضعف النفس أن المريض أسرع غضباً من الصحيح،
والمرأة أسرع غضباً من الرجل، والصبـي أسرع غضباً من الرجل الكبـير، والشيخ الضعيف
أسرع غضباً من الكهل، وذو الخلق السيـىء والرذائل القبـيحة أسرع غضباً من صاحب
الفضائل. فالرذل يغضب لشهوته إذا فاتته اللقمة، ولبخله إذا فاتته الحبة، حتى