وهذه الصلاة
التي هي أم العبادات لا تؤثر في صاحبها، فتعمق في نفسه معاني الإيمان، وتجتث منه
منابع الفحشاء والمنكر إلا إذا لقحها بلقاح الخشوع.
ومثل ذلك
الزكاة والصدقات، فإنها وإن كانت إنفاقا ماليا محضا، والمنتفع الأول بها هم
الفقراء إلا أن الله تعالى اعتبر الرياء الذي هو فقدان الإخلاص ـ واذي هو عبادة من
عبادات القلوب ـ عند أدائها محبطا لها، قال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُبْطِلُوا
صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذَى كَالَّذِي يُنْفِقُ مَالَهُ رِئَاءَ النَّاسِ
وَلا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ﴾ (البقرة:264)، ثم شبه هذا
الإنفاق وعدم انتفاع صاحبه به، فقال: ﴿ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ صَفْوَانٍ
عَلَيْهِ تُرَابٌ فَأَصَابَهُ وَابِلٌ فَتَرَكَهُ صَلْداً لا يَقْدِرُونَ عَلَى
شَيْءٍ مِمَّا كَسَبُوا وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ﴾ (البقرة:264)
وضرب مثلا
على ذلك ببعض الأعراب الذين انتفى من أذهانهم الجانب التعبدي في الزكاة، فاعتبروها
مغرما، فقال تعالى: ﴿
وَمِنَ الْأَعْرَابِ مَنْ
يَتَّخِذُ مَا يُنْفِقُ مَغْرَماً ﴾ (التوبة:98)
وفي مقابلهم
الأعراب الذين فهموا حقيقتها، فجعلوها وسيلة تقرب إلى الله، قال تعالى: ﴿ وَمِنَ الْأَعْرَابِ مَنْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ
وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَيَتَّخِذُ مَا يُنْفِقُ قُرُبَاتٍ عِنْدَ اللَّهِ
وَصَلَوَاتِ الرَّسُولِ أَلا إِنَّهَا قُرْبَةٌ لَهُمْ سَيُدْخِلُهُمُ اللَّهُ فِي
رَحْمَتِهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾
اسم الکتاب : الأبعاد الشرعية لتربية الأولاد المؤلف : أبو لحية، نور الدين الجزء : 1 صفحة : 108