ومما يدخل في هذا الباب كذلك أن يتجنب المحاور الأساليب
التي تلبس ثوب الحجة، وهي تخلوا منها، لأن الغرض منها لا يعدو طلب الانتصار سواء
كان المنتصر محقا أو مبطلا، ولهذا قال بعض العلماء:(إياك أن تشتغل بهذا الجدل[1] الذي
ظهر بعد انقراض الأكابر من العلماء، فإنه يبعد عن الفقه، ويضيع العمر، ويورث
الوحشة، والعداوة، وهو من أشراط الساعة، وارتفاع العلم، والفقه)
وقد ذكر بعض الشعراء هذه الأساليب في مناظرات الفقهاء
فقال متهكما:
أرى فقهاء العصر
طرا أضاعوا العلم واشتغلوا بلم لم
إذا ناظرتهم لم
تلق منهم سوى حرفين لم لم لا نسلم[2]
3 ـ إنصاف المخالف
ونريد به آداب كل محاور مع الآخر في استماعه ومخاطبته
ووجوه التعامل معه، لما لها من تأثير كبير في نجاح الحوار وتأثيره، ويمكن اختصار
أهم هذه الآداب فيما يلي:
أ ـ إعطاء الفرصة للمخالف:
لأن عدم إتاحة الفرصة للمخالف في الكلام عن رأيه أو
حجته يجعل من الحوار
[1]
وقد كان أصل هذا العلم صحيحا، ولكنه حرف بعد ذلك، قال ابن خلدون في « المقدمة » في
تعريف علم الجدل :« معرفة آداب المناظرة، التي تجري بين أهل المذاهب الفقهية،
وغيرهم، فإنه لما كان باب المناظرة في الرد، والقبول متسعاً، وكل واحد من
المناظرين في الاستدلال، والجواب يرسل عنانه في الاحتجاج، ومنه ما يكون صواباً،
ومنه ما يكون خطأً، فاحتاج الأئمة إلى أن يضعوا آداباً، وأحكاماً يقف المتناظران
عند حدودها في الرد، والقبول، وكيف يكون حال المستدل، والمجيب، وحيث يسوغ له أن
يكون مستدلاً، وكيف يكون مخصوصاً منقطعاً، ومحل اعتراضه، أو معارضته وأين يجب عليه
السكوت، ولخصمه الكلام، والاستدلال، ولذلك قيل فيه: إنه معرفة بالقواعد من الحدود،
والآداب في الاستدلال، التي يتوصل بها إلى حفظ رأي، وهدمه كان ذلك الرأي من الفقه،
أو غيره » انظر: أبجد العلوم: 2/ 209.