اسم الکتاب : أساليب التربية وضوابطها الشرعية المؤلف : أبو لحية، نور الدين الجزء : 1 صفحة : 220
أما في الموطن الأول، فالهجر لأجل الفسوق والانحراف،
وهو هجر مؤقت له غاياته التي تحدد مدته وكيفيته، ولا يدخل فيما ورد النهي عنه من
هجران المسلم فوق ثلاث، وهذا محل اتفاق من العلماء:
قال ابن عبد البر:(وفي حديث كعب هذا دليل على أنه جائز
أن يهجر المرء أخاه إذا بدت له منه بدعة أو فاحشة يرجو أن يكون هجرانه تأديبا له
وزجرا عنها)[1]، وقال
القرطبي:(فأما الهجران لأجل المعاصي والبدعة فواجب استصحابه إلى أن يتوب من ذلك
ولا يختلف في هذا)وقال ابن عبد البر أيضا:(أجمع العلماء على أنه لا يجوز للمسلم أن
يهجر أخاه فوق ثلاث إلا أن يخاف من مكالمته وصلته ما يفسد عليه دينه أو يولد به
على نفسه مضرة في دينه أو دنياه فإن كان كذلك رخص له في مجانبته ورب صرم جميل خير
من مخالطة مؤذية)
ومن الغايات التي ذكرها العلماء لهذا النوع، ما ذكره
الشاطبي بعد أن ما ورد الآثار الكثيرة عن السلف الصالح من هجر المبتدع زجرا له
وتحجيما للبدعة:(وأيضاً فإن توقير صاحب البدعة مظنة لمفسدتين تعودان بالهدم على
الإسلام: أحدهما: التفات العامة والجهال إلى ذلك التوقير، فيعتقدون في المبتدع أنه
أفضل الناس، وأن ما هو عليه خير مما عليه غيره، فيؤدي ذلك إلى اتباعه على بدعته
دون اتباع أهل السنة على سنتهم. والثانية: أنه إذا وقر من أجل بدعته صار ذلك
كالحادي المحرض له على انتشار الابتداع في كل شيء، وعلى كل حال فتحيا البدع وتموت
السنن، وهو هدم الإسلام بعينه)[2]
زيادة على أن الخوض في الجدل مع المبتدع ـ الذي لا يجدي
معه الحوار العلمي ـ قد يرسخ بدعته في نفسه ويزيدها شدة، ويشير إلى هذا قوله تعالى: ﴿ وَإِذَا
رَأَيْتَ الَّذِينَ
[1]
انظر: التمهيد: 6/127، فتح الباري: 10/496، الزرقاني: 4/328.