ومن أهم مظاهر تحقق القدوة بالربانية زيادة على سلوكه
المنضبط بضوابط الشرع وإخلاصه في ذلك لله رب العالمين هو إدمانه على العبادة
بمعناها الخاص، فيكثر من الصلاة والذكر وأنواع القربات، كما قال a في
الحديث القدسي:(من عادى لي ولياً فقد بارزني بالحرب، وما تقرّب إليّ
عبدي بشيء أفضل من أداء ما افترضت عليه، ولا يزال عبدي يتقرب إليَّ بالنوافل حتى
أحبه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش
بها، ورجله التي يمشي بها، ولئن سألني لأعطينه، ولئن دعاني لأجبيبنه، ولئن استعاذ
بي لأعيذنه، وما ترددت في شيء أنا فاعله ترددي في قبض نفس عبدي المؤمن، يكره الموت
وأكره مساءته، ولا بد منه)[1]
ومعنى الحديث أن العبد إذا أخلص الطاعة صارت أفعاله
كلها للّه تعالى، فلا يسمع إلا للّه، ولا يبصر إلا للّه أي ما شرعه اللّه له، ولا
يبطش ولا يمشي إلا في طاعة اللّه تعالى مستعيناً باللّه في ذلك كله. ولهذا جاء في
بعض رواية الحديث في غير الصحيح:(فبي يسمع وبي يبصر وبي يبطش وبي يمشي)
وقد كان a ـ وهو القدوة
الأول والرباني الأول العابد الأول ـ قرة عينه في الصلاة، وكان يقوم الليل حتى
تتفطر قدماه، ويبكي حتى تبلل دموعه لحيته، وتعجب زوجه عائشة من شدة تعبده وبكائه،
وقد غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، فيقول لها (أفلا أكون عبدا شكورا)