اسم الکتاب : حقوق الأولاد النفسية والصحية المؤلف : أبو لحية، نور الدين الجزء : 1 صفحة : 185
عملية الرضاع
عملية فطرية للمرأة سواء بتوفر الآلات الكفيلة بذلك، أو بالدواعي النفسية له.
وإنما لم تأت
بصيغة الإنشاء لأن الطبيعة السليمة للمرأة تجعلها تقبل عليها من غير شعور بأن في
ذلك كلفة أو مشقة، بل هي بالنسبة لها كالأكل والشرب.
ولهذا، فإن
تكليف الرجل بالبحث عن مرضعة لابنه قد لا يتوافق لبنها معه، فيه من المشقة ما لا
يصح تكليفه به، زيادة على ما جبل الله به نفس الصبي من الحنين إلى أمه أكثر من
حنينه إلى غيرها، وإلى ذلك الإشارة بقوله تعالى:﴿ وَحَرَّمْنَا عَلَيْهِ الْمَرَاضِعَ مِنْ قَبْلُ
فَقَالَتْ هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى أَهْلِ بَيْتٍ يَكْفُلُونَهُ لَكُمْ وَهُمْ لَهُ
نَاصِحُونَ فَرَدَدْنَاهُ إِلَى أُمِّهِ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُهَا وَلا تَحْزَنَ
وَلِتَعْلَمَ أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا
يَعْلَمُونَ﴾ (القصص:11 ـ 13)
فالآيات وإن
وردت إخبارا عن قصة معينة ففيه دلالة على ما جبل الله عليه نفس الصبي من الحنين
إلى أمه وعدم ارتياحه لغيرها إلا بشدة.
وهذا ما
يثبته علماء النفس الحديث، فهم يتفقون على أن الرضاعة من ثدي الأم - من الناحية
النفسية - أفضل بكثير من الرضاعة بالزجاجة، أو من غيرها، ذلك لأنها توجد رابطة لا
تنفصم بين الطفل وأمِّه، فالطفل يشعر بلذّة لا توصف من التغذية بالثدي.
بل إنهم ينصحون بإنشاء هذه العلاقة
النفسية منذ ولادتها[1]، فينصحون بتقديم
[1] ولهذا لا يصح ما ذكره ابن
القيم من أنه « ينبغي أن يكون رضاع المولود من غير أمه بعد وضعه يومين أو ثلاثة
وهو الأجود لما في لبنها ذلك الوقت من الغلظ والأخلاط بخلاف لبن من قد استقلت على الرضاع
وكل العرب تعتني بذلك حتى تسترضع أولادها عند نساء البوادي كما استرضع النبي a في بني سعد » [ تحفة
المودود: 230]
وذلك لأن
الثديين في الأيام الأولى يفرزان اللبن الذي يحوي أضعاف ما يحوي اللبن من البروتين
والعناصر المعدنية، لكنه فقير بالدسم والسكر، كما يحوي أضدادا لرفع مناعة الوليد،
وله فعل ملين، هو الغذاء المثالي للوليد.
أما من
الناحية النفسية، فقد ثبت أن إرضاع الطفل من الثدي بعد الولادة مباشرة - أي: بعد
تنظيفه وإلباسه - ربما كان أفضل طريقة لإيجاد ثقة متبادلة من الناحيتين النفسية
والجسميَّة بين الطفل وأمّه.
فهذه الرابطة
القائمة على القرب والحنان هي من أقوى الغرائز الاجتماعية، وهي تبدأ منذ الولادة،
والأم تحقِّق بذلك غرضاً واضحاً يمليه عليها وضع طفلها العاجز الضعيف.
فالطفل يحتاج
إلى رعاية وحماية وإلى تغذية كافية ومؤانسة، وهو يبدي أنواعاً من السلوك تعبِّر عن
رغبته في الاتصال والاقتراب من الكبار، كالبكاء والتعلُّق بهم، وتتبعهم بعينيه أو
بكامل جسمه، أو مجرَّد الإمساك بذراعهم، وبهذه الصلة الوثيقة يتحقَّق هدف الطفل،
ويستطيع أن يسدَّ حاجاته.
بل إن صوت
الأم ـ مع أنه لا علاقة له بتغذيته ـ يمنح الطفل الدفء والأمن، ويشرع الطفل
بتمييزه فور سماعه عن الأصوات الأخرى جميعاً.
ومن الحقائق
المعلومة كذلك أن الفترة الرئيسية في الاتصال الأولي بين الأم وطفلها هي فترة
الاثنتي عشرة ساعة الأولى.
اسم الکتاب : حقوق الأولاد النفسية والصحية المؤلف : أبو لحية، نور الدين الجزء : 1 صفحة : 185