وقد بلغ الحس المرهف ببعض الصالحين أن قال:( لئن ظننت أن سلامك يثقل على من أنفقت عليه تريد وجه الله فلا تسلم عليه)، وقالت له امرأة: دلني على رجل يخرج في سبيل الله حقا، فإنهم إنما يخرجون يأكلون الفواكه، فإني عندي أسهما وجعبة، فقال: لا بارك الله في أسهمك وجعبتك فقد آذيتهم قبل أن تعطيهم.
ومما يساعد على رفع المن، بل هو الأصل في رفعه أن يبتغي بأي خير يقدمه لأهله وجه الله، ولهذا جاءت النصوص الكثيرة تبين أن نفقة الرجل على أهله من الصدقات، فاعتقاد ذلك ينفي المن نفيا قاطعا، ومنها قوله a:(نفقة الرجل على أهله صدقة) [748]، وقوله a :(إنك لن تنفق نفقة تبتغي بها وجه الله إلا أجرت عليها حتى ما تجعل في فم امرأتك) [749]، وقد ورد هذا الحديث في قصة سعد المشهورة، ووجه تعلقها بها كما قال ابن حجر:(أن سؤال سعد يشعر بأنه رغب في تكثير الأجر، فلما منعه الشارع من الزيادة على الثلث، قال له على سبيل التسلية: إن جميع ما تفعله في مالك من صدقة ناجزة، ومن نفقة ولو كانت واجبة تؤجر بها، إذا ابتغيت بذلك وجه الله تعالى) [750] وقد قيد هذا الحديث بابتغاء وجه الله لينفي المن وكل الأمراض النفسية الناتجة عن اعتقاد التفضل، قال ابن أبي جمرة:(وقيده بابتغاء وجه الله، وعلق حصول الأجر بذلك، وهو المعتبر ويستفاد منه أن أجر الواجب يزداد بالنية، لأن الإنفاق على الزوجة واجب، وفي فعله الأجر، فإذا نوى به ابتغاء وجه الله ازداد أجره بذلك) [751]