وبناء على هذا، فإن الموت، هو عبارة عن
استبدال الجسد الذي أصابه العطب بجهاز آخر مع مراعاة اختيارات صاحب الجهاز، ولذلك
يرى الإنسان كل أعماله التي كان يعملها محفوظة بإتقان، ذلك أن من مزايا الجسد
الجديد الذي يستبدل به الجسد الفاني أنه تظهر فيه الأشياء بصورها الحقيقية..
2 ـ الموت وحقيقة العقل:
رأينا سابقا أن الفلاسفة القدامى الذين
اتفقوا على خلود النفس، وعدم موتها بموت الجسد، استدلوا على ذلك بتلك الاكتشافات
التي توصلوا إليها عن طريق التأمل، والذي أداهم إلى أن عقل الإنسان مستقل عن جسده،
ذلك أن الجسد يهرم ويذبل وينتابه الكثير من الضعف، بينما عقله يبقى متقدا وسليما
حتى في تلك الفترات الصعبة الشديدة.
ومن أكبر الأدلة على ذلك أن الكثير من
المنجزات الإبداعية في الشعر والفلسفة والحكمة كتبت في ظل ظروف صعبة، لم يكن يمكن
للعقل أن يبدعها لو كان تابعا للجسد.
وهذه الحقيقة التي اكتشفها العقل، بل
الفطرة والبديهة، دل عليها العلم الحديث، وخاصة بعد تخلصه من فترة المادية التي
طغت عليه إبان القرون الأولى من عصر النهضة.