responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : أسرار ما بعد الموت المؤلف : أبو لحية، نور الدين    الجزء : 1  صفحة : 50

وإنما ينقطع تحكمه في جسده فقط..

وهكذا يخاطب القرآن الكريم العقول بالتأمل في النشأة التي تعيشها، والتي يسميها النشأة الأولى، لتعبر منها لسائر النشآت التي تنتظرها، قال تعالى: ﴿وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ النَّشْأَةَ الأُولَى فَلَوْلا تَذكَّرُونَ﴾ [الواقعة: 62]، وقال: ﴿وَهُوَ الَّذِي يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ وَلَهُ الْمَثَلُ الأَعْلَى فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ﴾ [الروم: 27]، وقال: ﴿يَوْمَ نَطْوِي السَّمَاءَ كَطَيِّ السِّجِلِّ لِلْكُتُبِ كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُّعِيدُهُ وَعْدًا عَلَيْنَا إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ﴾ [الأنبياء: 104]، وقال: ﴿وَيَقُولُ الإِنسَانُ أَئِذَا مَا مِتُّ لَسَوْفَ أُخْرَجُ حَيًّا أَوَلا يَذْكُرُ الإِنسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِن قَبْلُ وَلَمْ يَكُ شَيْئًا﴾ [مريم: 66 - 67]

وقد عبر بديع الزمان النورسي عن المعاني التي تدل عليها هذه الآيات الكريمة، ووجه الاستدلال بها على وجود نشآت أخرى، فقال: (إن تزيينَ وجه العالم بهذه المصنوعات الجميلة اللطيفة، وجعْل الشمس سراجا، والقمر نورا، وسطح الأرض مائدة للنعم، وملأها بألذِّ الأطعمة الشهية المتنوعة، وجعل الأشجار أوانيَ وصحافا تتجدد مرارا كل موسم.. كل ذلك يُظهر سخاءً وجودا لا حدّ لهما.. فلابد أن يكون لمثل هذا الجود والسخاء المطلقين، ولمثل هذه الخزائن التي لا تنفد، ولمثل هذه الرحمة التي وسعت كل شيء، دارَ ضيافة دائمة، ومحلَّ سعادة خالدة يحوي ما تشتهيه الأنفسُ وتلذُّ الأعين وتستدعي قطعا أن يخلد المتلذذون في تلك الدار، ويظلوا ملازمين لتلك السعادة ليبتعدوا عن الزوال والفراق، إذ كما أن زوال اللذة ألم فزوالُ الألم لذة كذلك، فمثل هذا السخاء يأبى الإيذاءَ قطعا.. أي إن الأمر يقتضي وجودَ جنة أبدية، وخلود المحتاجين فيها؛ لأن الجود والسخاء المطلَقين يتطلبان إحسانا وإنعاما مطلَقين، والإحسان والإنعام غير المتناهيين يتطلبان تنعما وامتنانا غير متناهيين، وهذا يقتضي خلودَ إنعام مَن يستحق الإحسان إليه، كي يُظهر شكره وامتنانه بتنعّمه الدائم إزاء ذلك الإنعام الدائم.. وإلّا فاللذة اليسيرة ـ التي ينغّصها الزوالُ

اسم الکتاب : أسرار ما بعد الموت المؤلف : أبو لحية، نور الدين    الجزء : 1  صفحة : 50
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست