اسم الکتاب : أسرار ما بعد الموت المؤلف : أبو لحية، نور الدين الجزء : 1 صفحة : 340
وبذلك
فإن حساب أولئك الصادقين مما يزيد في مكانتهم ورفعتهم، ذلك أنه تتجلى من خلال تلك
الأسئلة والمحاسبات مدى طهارتهم وصدقهم وإخلاصهم، والذي ربما يكون قد خفي الكثير
منه في الدنيا.
وذلك
يشبه كثيرا ما ذكره القرآن الكريم عن يوسف عليه السلام عند مطالبته بالتحقيق في
قضيته قبل أن يخرج السجن، ودور ذلك في إظهار صورته الممتلئة بالجمال والإخلاص، فقد
ذكر الله تعالى أن ملك مصر عندما علم الحقيقة قال: ﴿ائْتُونِي بِهِ
أَسْتَخْلِصْهُ لِنَفْسِي﴾ [يوسف: 54]
ولهذا،
فإن ما ورد عن دخول الفقراء الجنة قبل الأغنياء، لا يعني أنهم أفضل منهم بهذا
الاعتبار، وإنما يعني أن حساب الأغنياء أكبر لأنهم سيحاسبون عن أموالهم، من أين
اكتسبوها، وفيم أنفقوها، ولذلك إن نجحوا في الامتحان قد يكون محلهم من الجنة أرفع،
لأن العبرة بالأعمال، لا بتأخر الدخول إلى الجنة.
ويدل
لذلك، بل يصرح به قوله a: (أول زمرة تدخل الجنة من أمتي فقراء المهاجرين، يأتون يوم القيامة إلى
باب الجنة، ويستفتحون، فيقول لهم الخزنة: أو قد حوسبتم؟ فيقولون: بأي شيء نحاسب،
وإنما كانت أسيافنا على عواتقنا في سبيل الله حتى متنا على ذلك؟ فيفتح لهم،
فيقيلون فيه أربعين عاماً قبل أن يدخلها الناس) [1]
وعلى
ضوء هذا الحديث تفسر سائر الحديث، كقوله a: (قمت على باب الجنة فكان
عامة من دخلها المساكين، وأصحاب الجد محبوسون غير أن أصحاب النار قد أمر بهم إلى
النار)[2]، وقوله: (إن فقراء المهاجرين يسبقون الأغنياء يوم القيامة إلى الجنة
بأربعين
[1]
رواه الحاكم (2/ 80). وقال: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه