اسم الکتاب : أسرار ما بعد الموت المؤلف : أبو لحية، نور الدين الجزء : 1 صفحة : 237
ثم رد
على الوجوديين والماديين الذين يعتبرون الغاية من الحركة والسعي والكدح، هو نيل
اللذائذ المادية والتجملات الظاهرية، بأن (الإنسان مهما نال منها، لا يخمد عطشه،
بل يستمر في سعيه وطلبه، وهذا يدلّ على أنّ له ضالة أُخرى يتوجّه نحوها، وإن لم
يعرف حقيقتها، فهو يطلب الكمال اللائق بحاله، ويتصور أنّ ملاذّ الحياة غايته،
ومنتهى سعيه، ولكنه سوف يرجع عن كل غاية يصل إليها، ويعطف توجهه إلى شي آخر)
[1]
ويدعم
هذا المعنى الكثير من البراهين الفلسفية، فالحركة لابد لها من غاية تنتهي إليها،
وإلا كانت عبثا مجردا لا معنى له، ولهذا نرى القرآن الكريم يعتبر البعث غاية مكملة
لتلك الحركة التكاملية التي حصلت في النشأة الأولى، ويعتبر أنها ضرورة يقتضيها
الحق ويستلزمها، كما قال تعالى: ﴿ذَلِكَ بِأَنَّ الله هُوَ الْحَقُّ
وَأَنَّهُ يُحْيِ الْمَوْتَى وَأَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴾
[الحج: 6]
وهكذا
يذكر القرآن الكريم أنه لولا هذه النشأة المكملة لتلك الحركة لكانت النشأة الأولى
نشأة عبثية لا معنى لها، كما قال تعالى: ﴿ أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا
خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ (115) فَتَعَالَى الله
الْمَلِكُ الْحَقُّ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ (116)﴾
[المؤمنون: 115، 116]
ولذلك
نرى القرآن الكريم ينص على الغاية التي تسير إليها كل الكائنات، وأنها معرفة الله
والتواصل معه، لأنها البداية التي أسس من أجلها الكون جميعا، قال تعالى: ﴿وَأَنَّ
إِلَى رَبِّكَ الْمُنْتَهَى﴾ [النجم: 42]
وهكذا
يصور البعث باعتباره رجوعا إلى الله، كما قال تعالى: ﴿كَلَّا إِذَا
بَلَغَتِ التَّرَاقِيَ (26) وَقِيلَ مَنْ رَاقٍ (27) وَظَنَّ أَنَّهُ الْفِرَاقُ
(28) وَالْتَفَّتِ السَّاقُ بِالسَّاقِ (29) إِلَى رَبِّكَ