اسم الکتاب : أسرار ما بعد الموت المؤلف : أبو لحية، نور الدين الجزء : 1 صفحة : 128
الموت
وعقله معه كيف لا يصفه، فلما نزل به قال له ابنه عبد الله: يا أبتِ إنك كنت تقول:
عجباً لمن نزل به الموت وعقله معه كيف لا يصفه؟ فصف لنا الموت قال: (يا بنيّ الموت
أجل من أن يوصف، ولكن سأصف لك منه شيئاً، أجدني كأن على عنقي جبال رضوى، وأجدني
كأن في جوفي الشوك، وأجدني كأن نفسي تخرج من ثقب إبرة)[1]
وقد
حاول الغزالي أن يقرب صورة ذلك الاحتضار المؤلم، فقال: (واعلم أن شدة الألم في
سكرات الموت لا يعرفها بالحقيقة إلا من ذاقها، ومن لم يذقها فإنما يعرفها إما بالقياس
إلى الآلام التي أدركها، وإما بالاستدلال بأحوال الناس في النَزع على شدة ما هم
فيه.. فأما القياس: الذي يشهد له فهو أن كل عضو لا روح فيه فلا يحس بالألم، فإذا
كان فيه الروح فالمدرك للألم هو الروح، فمهما أصاب العضو، جرح أو حريق سرى الأثر
إلى الروح، فبقدر ما يسري إلى الروح يتألم، يتفرق على اللحم والدم وسائر الأجزاء،
فلا يصيب الروح إلا بعض الألم؛ فإن كان من الآلام ما يباشر نفس الروح ولا يلاقي
غيره فما أعظم ذلك الألم وما أشده، والنَزع عبارة عن مؤلم نزل بنفس الروح فاستغرق
جميع أجزائه، حتى لم يبق جزء من أجزاء الروح المنتشر في أعماق البدن إلا وقد حل به
الألم.. فألم النَزع يهجم على نفس الروح ويستغرق جميع أجزائه؛ فإنه المنْزوع
المجذوب من كل عرق من العروق، وعصب من الأعصاب، وجزء من الأجزاء، ومفصل من
المفاصل، ومن أصل كل شعرة وبشرة من العرق إلى القدم.. فلا تسل عن بدن يجذب منه كل
عرق من عروقه، ولو كان المجذوب عرقاً واحداً لكان ألمه عظيماً، فكيف والمجذوب نفس
الروح المتألم، لا من عرق واحد، بل من جميع العروق، ثم يموت كل عضو من أعضائه
تدريجياً، فتبرد أولاً قدماه، ثم ساقاه، ثم فخذاه، ولكل عضو سكرة بعد سكرة، وكربة
بعد كربة، حتى يبلغ بها إلى