اسم الکتاب : أسرار الأقدار المؤلف : أبو لحية، نور الدين الجزء : 1 صفحة : 509
ثانيا ـ رحمة النشأة الآخرة
جعل الله تعالى
بحكمته ومقتضيات أسمائه الحسنى هذه الدار الدنيا محلا لاجتماع الطيب مع الخبيث،
والصالح مع الفاسد، والمؤمن مع الكافر ليقيم الحجة على خلقه، ولتظهر أسرار رحمته
عليهم.
ففي الدنيا يجتمع
الرسل مع الفراعنة، والأولياء مع الأشقياء، والطاهرون مع المتننجسين، والطيبون مع
الخبثاء.
وفي الدنيا تتحاور
الجواهر الكريمة مع الحجارة الخسيسة، والجداول الرقراقة مع المستنقعات الآسنة،
والصفاء مع الكدر، والسلامة مع العطب.
وفي الدنيا تلتقي
المتناقضات، ليختار هذا الإنسان من بينها ما يتناسب مع طبيعته.
أما في الآخرة، فإن
ما تميز في الدنيا تميزا معنويا يتميز هناك تميزا حسيا، فهي في ذلك تشبه مغناطيسا
ضخما وضع على معادن متباينة ليميز كل معدن منها عن غيره.
ولهذا ورد في
القرآن الكريم الكثير من النصوص الدالة على هذا التميز، قال تعالى:﴿ وَيَوْمَ
تَقُومُ السَّاعَةُ يَوْمَئِذٍ يَتَفَرَّقُونَ ﴾ (الروم:14)، وقال تعالى:﴿ فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ
الْقَيِّمِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لا مَرَدَّ لَهُ مِنَ اللَّهِ
يَوْمَئِذٍ يَصَّدَّعُونَ﴾ (الروم:43) أي يصيرون صدعين أي فرقتين.
ولهذا يقال في ذلك
اليوم للمجرمين الذين يطمعون أن يجالسوا المؤمنين:﴿ وَامْتَازُوا الْيَوْمَ
أَيُّهَا الْمُجْرِمُونَ﴾ (يّـس:59)، ويقال لهم:﴿ مَكَانَكُمْ
أَنْتُمْ وَشُرَكَاؤُكُمْ ﴾ (يونس: 28)
اسم الکتاب : أسرار الأقدار المؤلف : أبو لحية، نور الدين الجزء : 1 صفحة : 509