اسم الکتاب : مثالب النفس الأمارة المؤلف : أبو لحية، نور الدين الجزء : 1 صفحة : 67
محاسن خلقهم، ابتلاء عظيما،
وامتحانا شديدا، واختبارا مبينا، وتمحيصا بليغا، جعله الله سببا لرحمته، ووصلة إلى
جنته) ([57])
ثم بين أن الاختبار الإلهي لتواضع
عباده هو الذي اقتضى ذلك، ذلك أن الله تعالى يمكنه (لو أراد أن يضع بيته الحرام،
ومشاعره العظام، بين جنات وأنهار، وسهل وقرار، جمّ الأشجار، داني الثّمار، ملتفّ
البنى، متّصل القرى، بين برّة سمراء، وروضة خضراء، وأرياف محدقة، وعراص مغدقة،
ورياض ناضرة، وطرق عامرة، لكان قد صغر قدر الجزاء، على حسب ضعف البلاء. ولو كان
الأساس المحمول عليها، والأحجار المرفوع بها، بين زمرّدة خضراء، وياقوته حمراء،
ونور وضياء، لخفّف ذلك مصارعة الشّكّ في الصّدور، ولوضع مجاهدة إبليس عن القلوب،
ولنفى معتلج الرّيب من الناس. ولكن الله يختبر عباده بأنواع الشّدائد، ويتعبّدهم
بأنواع المجاهد، ويبتليهم بضروب المكاره، إخراجا للتّكبّر من قلوبهم، وإسكانا
للتّذلّل في نفوسهم، وليجعل ذلك أبوابا فتحا إلى فضله، وأسبابا ذللا لعفوه)
وهكذا ذكر سر اختبار الله تعالى للأنبياء
بذلك المظهر المتواضع الذي كانوا يبدون به، والذي جعل غيرهم يحتقرهم لأجله،
لتوهمهم أن النبي لا يكون نبيا حتى يكون بنفس الصورة التي تتخيلها أمزجتهم.
وقد ضرب المثل على ذلك بموسى عليه
السلام، فقال: (و لقد دخل موسى بن عمران ومعه أخوه هارون عليهما السّلام على
فرعون، وعليهما مدارع الصّوف، وبأيديهما العصيّ، فشرطا له إن أسلم بقاء ملكه،
ودوام عزّه، فقال: أ لا تعجبون من هذين، يشرطان لي دوام العزّ وبقاء الملك، وهما
بما ترون من حال الفقر والذّلّ، فهلّا ألقي عليهما أساورة من