اسم الکتاب : مثالب النفس الأمارة المؤلف : أبو لحية، نور الدين الجزء : 1 صفحة : 593
التحریف
و الابتداع
كتبت إلي ـ أيها المريد الصادق ـ
تسألني عن أسرار ذلك الدخن الذي آلت إليه عقائد المسلمين
وقيمهم؛ فانحرفت بهم عن سواء السبيل، على الرغم من حفظ الله تعالى لكتابهم، وكونهم
يقرؤونه غضا طريا كما أنزل.. بل إنهم يتنافسون في إقامة حروفه، وحفظ ألفاظه بما لم
تبلغه الأمم الأخرى.. لكنهم مقصرون كثيرا في إقامة معانيه، وتحقيقها في أنفسهم
ومجتمعاتهم.. والأدهى من ذلك اختراعهم لقيم جديدة تخالف القيم التي دعاهم إليها
ربهم ونبيهم.
وجوابا على سؤالك الوجيه أذكر لك
أن كل ما ذكرته يعود إلى مثلبين خطيرين، يبدآن بعالم النفس الأمارة، وينتهيان بما
ذكرت من مظاهر.. وهما [التحريف والابتداع]
وكلاهما مما أخبر الشيطان عن دوره
في الدعوة إليهما، كما قال تعالى حكاية لقول الشيطان: ﴿لَأَتَّخِذَنَّ مِنْ
عِبَادِكَ نَصِيباً مَفْرُوضاً وَلَأُضِلَّنَّهُمْ وَلَأُمَنِّيَنَّهُمْ
وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُبَتِّكُنَّ آذَانَ الْأَنْعَامِ وَلَآمُرَنَّهُمْ
فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ﴾ (النساء: 118 ـ 119)
فالشيطان في هاتين الآيتين يتوعد
بتغيير الفطرة الأصلية التي فطر عليها البشر، وتحريفها، وتحويلها عن مسارها الذي
رسمه الله لها، حتى تبتدع لنفسها نظاما خاصا يخالف النظام الإلهي.
وهو لا يقصد بذلك تغيير الخلقة
الجسدية فقط، وإنما يقصد تغيير الإنسان بجوانبه جميعا، كما أشار إلى قوله a في الحديث القدسي: (قال اللّه عزّ
وجلَّ: إني خلقت عبادي حنفاء فجاءتهم الشياطين فاجتالتهم عن دينهم، وحرمت عليهم ما
أحللت لهم) ([1042])