اسم الکتاب : مثالب النفس الأمارة المؤلف : أبو لحية، نور الدين الجزء : 1 صفحة : 33
كما أنه يمكن أن يعذب.. ولذلك
كانت الفطنة في كلا المعرفتين، لا في الاقتصار على ما تشتهيه النفس منهما.
وإياك ـ أيها المريد الصادق ـ أن
تورد لي هنا ما يورده المغترون الذين آثروا الحياة الدّنيا، واطمأنوا لها، وتوهموا
أن مجرّد الإيمان يكفي للفوز، مع أن الله تعالى قرن مغفرته لعباده بالكثير من
الشروط، فقال: ﴿وَإِني لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا
ثُمَّ اهْتَدَى﴾ [طه: 82]
وإياك أن تسمع لتحريفهم للأسماء،
وتبديلهم لها، حيث يسمون ذلك الغرور رجاء وحسن ظن بالله، ويوردون لك كل النصوص
المقدسة التي تبين فضل ذلك..
وهؤلاء اشتبه عليهم الأمر؛
فأعملوا بعض النصوص، وضيعوا غيرها.. ولو فطنوا لأعملوها جميعا..
فلو أنهم تدبروا قوله a: (الكيّس من دان نفسه وعمل لما
بعد الموت، والأحمق من أتبع نفسه هواها وتمنى على الله) ([13]) لعلموا أنهم المقصودون بذلك، ذلك
أنهم غيروا اسم [التّمني] باسم [الرجاء]، مع أن الرجاء الذي دعا إليه القرآن
الكريم لا يرتبط بالكسالى والمقعدين والمغرورين، وإنما يرتبط بأولئك الذين وصفهم
الله تعالى، فقال: ﴿إِن الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَاجَرُوا
وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ الله أُولَئِكَ يَرْجُونَ رَحْمَتَ الله وَالله غَفُورٌ
رَحِيمٌ ﴾ [البقرة: 218]
ولو أنهم تدبروا كيف قرن الله
تعالى الرجاء بالخوف، ثم رجح جانب الخوف، فقال في وصف عباده الصالحين: ﴿
أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ
أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ إِن عَذَابَ
رَبِّكَ كَانَ مَحْذُورًا﴾ [الإسراء: 57]