وروي أن رجلا قال: يا رسول الله. إنّي
لأتأخّر عن الصّلاة في الفجر ممّا يطيل بنا فلان فيها، فغضب رسول الله a، ثمّ قال: (يا أيّها
النّاس إنّ منكم منفّرين فمن أمّ النّاس فليتجوّز، فإنّ خلفه الضّعيف والكبير وذا
الحاجة)([262])
إذا عرفت هذا ـ أيها
المريد الصادق ـ
فاعلم أن الشريعة الحكيمة لم تطالبك بقطع أصل الغضب، فذلك مستحيل، وغير ممكن، وكيف
يكون ذلك وهو طبع من الطباع التي جبل عليها الإنسان، ولولاها لما استطاع تهذيب
نفسه وإصلاحها؛ فغضبه على نفسه وسوء أخلاقها هو الذي يجره إلى مجاهدتها.
ولولاه لما جاهد الظالمين الذين
يظلمون المستضعفين، كما قال تعالى: ﴿وَمَا لَكُمْ لَا تُقَاتِلُونَ فِي
سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ
وَالْوِلْدَانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَذِهِ
الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا وَاجْعَلْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا
وَاجْعَلْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ نَصِيرًا ﴾ [النساء: 75]،وهل الجهاد سوى ذلك
الغضب للمظلومين، والذي يدعو إلى حمايتهم وتخليصهم من المستكبرين؟
ولولا الغضب لم يتحرك قلب المسلم لنصرة
أخيه في حال حاجته إليه، وقد ورد في الحديث قوله a: (ما من أمرئ يخذل امرأ مسلما في موضع تنتهك فيه حرمته وينتقص فيه
من عرضه إلّا خذله الله في موطن يحبّ فيه نصرته، وما من امرئ ينصر مسلما في موضع
ينتقص فيه من عرضه وينتهك من حرمته إلّا نصره الله في موطن يحبّ نصرته) ([263])