اسم الکتاب : مثالب النفس الأمارة المؤلف : أبو لحية، نور الدين الجزء : 1 صفحة : 163
الریا و السمه
كتبت إلي ـ أيها المريد الصادق ـ تسألني عن الرياء وعلاماته،
وطرق علاجه، وعن السر في تلك النصوص المقدسة الكثيرة التي تبين سوء عاقبة أصحابه،
مع أنهم في ظاهر حالهم لم يتسببوا بأي أذى لغيرهم، وإنما كل ذنبهم تلك النشوة التي
وجدوها في نفوسهم عندما رأوا اطلاع الخلق على أعمالهم؛ فسرتهم، بل زادت في نشاطهم
وهمتهم.
وكل أسئلتك ـ كما تعودت ذلك منك ـ وجيهة، وتحتاج إلى إجابة
عليها، لأنه لا يمكن تهذيب النفس، ولا إصلاحها من دونها.
وحتى سؤالك الأخير الذي استشكلت فيه مدى عدالة تلك التشديدات
المرتبطة بالرياء وجيهة أيضا، وخاصة في هذا العصر الذي تصور فيه بعضهم أن الدين
مجرد قيم أخلاقية، وسلوكات اجتماعية، وأن الصالح من الناس هو ذلك المهذب الطيب في
سلوكه وعلاقاته، ولا يهم بعد ذلك إن كان صادقا مخلصا، أو منافقا مرائيا.
وهؤلاء لا يعلمون أن الدين له جانبان، كلاهما ركنان فيه،
والعبث بأحدهما عبث بالآخر، والاهتمام بأحدهما لا يؤثر في الآخر فقط، وإنما يؤثر
في كل اللطائف التي حُبي بها الإنسان، والتي تشكل حقيقته التي لا يكون إنسانا من
دونها.
أما أولهما؛ فذلك الذي حصروا الدين فيه، وهو القيم الأخلاقية
الرفيعة، التي تدعو إلى السلام والتعايش والبر والأدب والتحضر والإيجابية مع كل
أصناف الناس، وكل المجتمعات، وفي كل الأحوال.
وأما الثاني؛ فهو العلاقة مع الله، ذلك أن الرسل عليهم الصلاة
والسلام، لم يرسلوا لأجل تهذيب العلاقات الاجتماعية، ونشر القيم الأخلاقية
المرتبطة بها فقط، وإنما أرسلوا
اسم الکتاب : مثالب النفس الأمارة المؤلف : أبو لحية، نور الدين الجزء : 1 صفحة : 163