اسم الکتاب : مثالب النفس الأمارة المؤلف : أبو لحية، نور الدين الجزء : 1 صفحة : 105
عمران: 14]
ثم يبين بعض مظاهر ذلك النعيم
المعد للمؤمنين في الآخرة، والذي لا يمكن مقارنة أي نعيم في الدنيا به، فيقول: ﴿قُلْ
أَؤُنَبِّئُكُمْ بِخَيْرٍ مِنْ ذَلِكُمْ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا عِنْدَ رَبِّهِمْ جَناتٌ
تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَأَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ
وَرِضْوَانٌ مِنَ الله وَالله بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ﴾ [آل عمران: 15]
والغرض من تقرير هذه المعاني
جميعا، ليس مجرد اتخاذ موقف من الدنيا، وإنما لتأثير ذلك في السلوك التحققي
والتخلقي؛ فالمقبل بكل همته على الدنيا المتثاقل لها، يستحيل عليه أن يطهر نفسه أو
يزكيها، أو يرقى بها إلى مراتب الكمال التي تستدعي المجاهدات الطويلة، كما قال
تعالى: ﴿ وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنهُمْ سُبُلَنَا وَإِن
الله لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ﴾ [العنكبوت: 69]
ولهذا يقرن الله تعالى التكاليف
المشددة بالنهي عن التثاقل إلى الدينا، ومن أمثلتها قوله تعالى في الحث على الجهاد
والتضحية في سبيل نصرة المستضعفين المظلومين: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ
آمَنُوا مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انْفِرُوا فِي سَبِيلِ الله اثَّاقَلْتُمْ
إِلَى الْأَرْضِ أَرَضِيتُمْ بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الْآخِرَةِ فَمَا
مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا قَلِيلٌ﴾ [التوبة:
38]
ويذكّر المتثاقلين إلى الدنيا بأن
الموت قادم لا محالة، ولذلك لا داعي إلى الحرص الشديد على الحياة، خصوصا إذا ما
تنافت التكاليف الشرعية مع ذلك الحرص، قال تعالى: ﴿ كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ
الْمَوْتِ وَإِنمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَمَنْ زُحْزِحَ
عَنِ النارِ وَأُدْخِلَ الْجَنةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا
مَتَاعُ الْغُرُورِ ﴾ [آل عمران: 185]
ويذكرهم بأن الدنيا تشبه تلك
الأيام المعدودة التي تخرج الأرض فيها بعض خيراتها، ثم سرعان ما يصيب القحط كل
شيء، قال تعالى: ﴿إِنمَا مَثَلُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ
اسم الکتاب : مثالب النفس الأمارة المؤلف : أبو لحية، نور الدين الجزء : 1 صفحة : 105