وكلنا نعرف ما
ذكره المؤرخون عن عمير بن سعد الذي كان عاملا على حمص، وبقى فيها عامًا كاملا دون
أن يرسل إلى عمر بالمدينة أي رسالة، فأرسل إليه عمر ليأتي إليه، وجاء عمير وشاهده
الناس، وهو يدخل المدينة وعليه آثار السفر، وهو يحمل على كتفيه جرابًا وقصعة (وعاء
للطعام) وقربة ماء صغيرة، ويمشي في بطء شديد من التعب والجهد.
ولما وصل إلى
عمر بن الخطاب قال له: السلام عليك يا أمير المؤمنين، فرد عمر السلام ثم قال له:
ما شأنك يا عمير؟ فقال عمير: شأني ما ترى، ألست تراني صحيح البدن، طاهر الدم، معي
الدنيا؟ فقال عمر: وما معك؟ قال عمير: معي جرابي أحمل فيه زادي، وقَصْعَتي آكل
فيها وأغسل فيها رأسي، وإداوتي أحمل فيها وضوئي وشرابي، وعصاي أتوكأ عليها، وأجاهد
بها عدوًا إن عَرَض (ظهر)، فوالله ما الدنيا إلا تَبعٌ لمتاعي. فقال عمر: أجئت
ماشيًا؟ قال عمير: نعم. فقال عمر: أَوَلَمْ تَجدْ من يعطيك دابة تركبها؟ قال عمير:
إنهم لم يفعلوا، وإني لم أسألهم. فقال عمر: فماذا عملت فيما عهدنا إليك به؟ قال
عمير: أتيت البلد الذي بعثتني إليه، فجمعت صُلَحَاء أهله، ووليتُهم جَبايَة فيئهم
(جمع صدقاتهم) وأموالهم، حتى إذا جمعوها وضعتها، ولو بقى لك منها شيء لأتيتك به،
فقال عمر: فما جئتنا بشيء؟ قال عمير: لا. فقال عمر: جدِّدوا لعمير عهدًا، ولكن
عميرًا رفض وقال في استغناء عظيم: تلك أيام خَلَتْ، لا عَمِلتُ لك، ولا لأحد بعدك[2].
وكلنا نعرف ما
ذكروه عن حذيفة بن اليمان، ذلك التلميذ الذكي النجيب من تلاميذ