ونظرت إلى القمر.. وهو يتجول في أنحاء السماء..
وكأنه يدعو أبصارنا لتتبع آثار خطواته..
وهكذا بقيت أقلب طرفي في السماء والأرض لأنظر
إلى تلك الثياب الجميلة الرائعة التي كسيت بها الكائنات..
لكني لم ألبث طويلا حتى زارتني بعوضة ثقيلة
الظل.. راحت تنثر سمومها في جسدي.. فانصرفت عن كل ما كنت فيه.. ورحت أبحث عنها
لأسألها عن سر شغبها.. وسر عشقها للإيذاء.. لكنها فرت عني.. ولم تقل لي شيئا.. أو
لعلها قالت ما أرادت من خلال تلك الرسالة المؤلمة التي أرسلتها لي.. لكني لم أفطن
لما أرادت أن تقوله بالضبط.
عدت إلى غرفتي.. وأطفأت جميع الأضواء.. وأغلقت
عيني.. وصممت أذني.. ورحت أستجمع جميع قواي لأفهم تلك الرسائل المتناقضة التي
ترسلها لي الكائنات كل حين.. لكن جارا ثقيلا راح يرفع صوت مذياعه، ونحن في منتصف
الليل بأغنية تردد أبياتا من رباعيات الخيام يقول فيها:
لبست ثوب العمر لم أستشر
وحرت فيه بين شتى الفكر
وسوف أنضو الثوب عني ولم أدرك
لماذا جئت..أين المفر!؟
في
بداية سماعي استجمعت جميع قواي المادية والمعنوية لأصبها على ذلك الجار الثقيل..
لكني.. وبعدما سمعت تلك الكلمات الجميلة.. المصبوبة في ألحان في منتهى العذوبة..
رحت أتأمل معانيها.. وأستغرق في التأمل.
لقد
قلت لنفسي، أو قالت لي نفسي: نعم.. أنت لم تفهم لغة الطير.. ولا لغة الزهر.. ولا
لغة الندى.. ولا جميع لغات الكائنات.. لكنك يمكنك أن تفهم هذه الكلمات..
لعل
العندليب عندما كان يشدو لم يكن ينطق إلا بهذه الكلمات التي قالها