قال الشاب: فما الموطن الثاني الذي يتجلى فيه اليقين؟
قال جعفر: الفاقة والحاجة.. ألا ترى الذي أصابته الفاقة والحاجة
كيف يحرص على أي شيء لديه ليدخره وقت حاجته؟
قال الشاب: ذلك صحيح..
قال جعفر: ولكن النبي a الذي أصابته جميع أنواع الحاجات.. بل كانت تمر الأهلة متواترة،
ولا يوقد في بيته نار[1].. ومع ذلك كان كالريح المرسلة لا
يمسك دينارا ولا درهما، ولا طعاما ولا ثوبا.. وكل ذلك يقينا منه بما عند الله.
وقد ورد في الحديث أن رجلا جاء إلى النبي a فقال: ما عندي شئ أعطيك، ولكن
استقرض، حتى يأتينا شئ فنعطيك، فقال له رجل: ما كلفك الله هذا، أعطيت ما عندك،
فإذا لم يكن عندك فلا تكلف، قال: فكره رسول الله a قول الرجل، حتى عرف في وجهه، فقال المستقرض:
يا رسول الله، بأبي وأمي أنت، فأعط، ولا تخش من ذي العرش إقلالا، فتبسم وجه رسول
الله a وقال:
(بهذا أمرت)[2]
وفي حديث آخر: دخل رسول الله a على بلال، فوجد عنده صبرة من تمر،
فقال: (ما هذا يا بلال؟) فقال: تمر أدخره، فقال: (ويحك يا بلال، أو ما تخاف أن
يكون له بخار في النار؟ انفق يا بلال، ولا تخش من ذي العرش إقلالا)[3]
فهذه النصوص تبين أن الرسول a لم يكن يلاحظ قلة الرزق التي في
يده، أو في يد المؤمنين، ولكنه كان ينظر إلى أن صاحب العرش العظيم الذي لا تساوي
كل أموال الدنيا أمامه