فهؤلاء الذين ورثوا الكتاب ـ ولكنهم لم يرثوه حقائق تنبني عليها
حياتهم، وإنما ورثوه رسوما وطقوسا ـ صاروا يختارون من دينهم ما يتناسب مع أهوائهم،
فيقبلون ما تشاء أهواؤهم، ويرفضون ما ترفضه.
ولذلك، فإن الوارث الحقيقي هو الذي يقف كالميت بين يدي الغسال
في كل ما يأتيه عن نبيه، لا يجادل، ولا يقدم رأيه على رأيه، ولا سلوكه على سلوكه،
ولا فهمه على فهمه.
قلت: فهل هذا هو معنى العبودية؟
قال: أجل.. العبودية هي الخضوع التام لله.. والخضوع التام لله
لا يكون إلا عن معرفة بالله.. ومن عرف الله زهد في غيره.. ومن عرف الله كان له من
المروءة ما ينتشر به خيره على غيره.
قلت: فالعابد إذن تجتمع له جميع خصال الروحانيين؟
قال: لن تكتمل عبوديته إلا بذلك.. كما لا يكتمل عرفان العارفين،
ولا زهد الزاهدين، ولا ورع الورعين، ولا مروءة الفتيان إلا باجتماع كل ذلك.
قلت: لقد شرفني الله بصحبه رجل من أهل الله عرفت من خلاله من
معرفة محمد بالله ما لا يمكن أن يحصيه الحاصي.
قال: ذلك شيخي وأستاذي وقدوتي.
قلت: من تقصد؟
قال: ألست تقصد جعفرا الذي يلقب بالصادق؟
قلت: أجل.. فكيف عرفت؟
قال: لقد صحبته زمنا.. وكل ما تعلمته وورثته نور من أنواره..
وقبسات من هديه.. وقد
اسم الکتاب : النبي الإنسان المؤلف : أبو لحية، نور الدين الجزء : 1 صفحة : 161