اسم الکتاب : ثمار من شجرة النبوة المؤلف : أبو لحية، نور الدين الجزء : 1 صفحة : 504
وحين تكون الغاية هي عبادة الله يكون مفهوم
الحضارة مختلفا عن هذا المفهوم وذاك، وكذلك يكون تفسير التاريخ، لأن المعيار الذي
يقوم على أساسه التفسير، هو مدى تحقيق الإنسان لغاية وجوده، ومدى تفوقه أو تخلفه
في تحقيق هذا الوجود.
قلت: لكل دين من الأديان شعائره التعبدية
الخاصة به.. ولا يمكن أن نقيم الحضارات على هذه الأسس.
قال: مفهوم العبادة في الإسلام ـ والذي هو
غاية الوجود الإنساني كما يرى الإسلام ـ مختلف تماما عن كل المفاهيم.. ذلك أن له
علاقة كبرى بفطرة الإنسان، وفطرة الوجود.
قلت: لم أفهم.
قال: الوجود في التصور الإسلامي كله متوجه
لله توجها فطريا، فهو لا يعرف إلا الله، ولا يعبد إلا الله..:﴿ وَقَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ
وَلَداً سُبْحَانَهُ بَلْ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ كُلٌّ لَهُ
قَانِتُونَ﴾ (البقرة:116)،:﴿ وَلَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ
وَالْأَرْضِ كُلٌّ لَهُ قَانِتُونَ﴾ (الروم:26)
وبما أن الإنسان فرد في هذا الوجود، فإنه من
الشذوذ الخطير أن ينفصل عن هذه العبادة التي يمارسها الكون، ويستمر بها وجوده.
قلت: ما محل الخطر في ذلك؟
قال: أرأيت لو أن القمر بدا له أن ينفصل
بمسار خاص.. ومثل ذلك الشمس.. ومثل ذلك جميع النجوم والكواكب.. أيمكن للوجود أن
يظل وجودا؟
قلت: لا.. ستدب الفوضى للوجود.. وسيفنى
العالم.
قال: فعبودية الكواكب وسجودها لله هو الذي
حفظ كيان الكون.
قلت: والإنسان؟
قال: لا يحفظ الإنسان إلا بالقوانين التي
تحفظ الكون.. إلا إذا اعتبرنا الإنسان كائنا غير
اسم الکتاب : ثمار من شجرة النبوة المؤلف : أبو لحية، نور الدين الجزء : 1 صفحة : 504