responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : سلام للعالمين المؤلف : أبو لحية، نور الدين    الجزء : 1  صفحة : 547

المهرطقين[1] المارقين، ومحاكمتهم[2].. وقد أقيمت هذه المحاكم في كثير من أجزاء أوروبا،


[1] الهرطقة مصطلح كنسي يشير إلى رأي، أو فكرة مبتدعة، تتعارض مع معتقدات الكنيسة، أو النظام المرتبط بها. وقد كانت الكنيسة في وقت من الأوقات تعاقب المهرطقين بالنفي والتعذيب أو حتى بالموت.. وتقوم الكنائس الآن أحيانًا بطرد المهرطقين. (الموسوعة العربية العالمية)

[2]ومبرر هذه المحاكم هو أن تعاليم الكنيسة كانت تعد أساسًا للقانون والنظام ابتداءً من عهد حكم الإمبراطور الروماني قسطنطين، من عام 306م إلى عام 337م.. ولذلك كان الخروج على تعاليم الكنيسة جريمة ضد الدولة، وحاول الحكام المدنيون لمئات من السنين استئصال الهرطقة.

وخلال القرنين الثاني عشر والثالث عشر الميلاديين ثارت جماعات معينة من الرومان الكاثوليك ضد كنيستهم. وبعد أن رفض بعض الحكام المدنيين أو عجزوا عن معاقبة المهرطقين، تولت الكنيسة هذه المهمة.

في عام 1231م، أنشأ البابا جريجوري التاسع محكمة خاصة للتحقيق مع المتهمين، وإجبار المارقين على تغيير معتقداتهم. وفي عام 1542م، تولت لجنة الكرادلة التابعة للمكتب البابوي عملية التحقيق. وعمل رهبان من الدومينيكان والفرنسيسكان قضاة في تلك الهيئات.

وقد كثرت محاكم التفتيش في فرنسا، وألمانيا، وإيطاليا، وأسبانيا. ونظرًا لأن المحققين كانوا يقومون بأعمالهم سرًا فكثيرًا ما أساءوا استخدام سلطاتهم وعُذّب بعض المتهمين، وحُكم على المارقين الذين رفضوا تغيير معتقداتهم بالموت حرقًا. وفي القرن السادس عشر الميلادي حوّل قادة الكاثوليك نشاط محاكم التفتيش لأنصار المذهب البروتستانتي.

يدين أتباع الكاثوليكية حاليًا محاكم التفتيش لأنها انتهكت قواعد العدالة الحديثة. ولكن لم ينتقد إلا عدد قليل من الناس أساليب محاكم التفتيش أثناء فترة القرون الوسطى. (انظر: الموسوعة العربية العالمية)

وقد ذكر الأستاذ الإمام محمد عبده في كتاب (الإسلام والنصرانية ): أن الكنيسة الأسبانية غضبت لانتشار فلسفة ابن رشد وأفكاره، وخصوصًا بين اليهود، فصبت جام غضبها على اليهود والمسلمين معًا، فحكمت بطرد كل يهودي لا يقبل المعمودية، وأباحت له أن يبيع من العقار والمنقول ما يشاء بشرط ألا يأخذ معه ذهبًا ولا فضة، وإنما يأخذ الأثمان عروضًا وحوالات. وهكذا خرج اليهود من أسبانيا تاركين أملاكهم لينجوا بأرواحهم، وربما اغتالهم الجوع ومشقة السفر، مع العدم والفقر.

وحكمت الكنيسة كذلك سنة 1052م على المسلمين (أعداء الله !) بطردهم من إشبيلية وما حولها إذا لم يقبلوا المعمودية، بشرط ألا يذهبوا في طريق يؤدي إلى بلاد إسلامية ومن خالف ذلك فجزاؤه القتل. (الإسلام والنصرانية مع العلم والمدنية ص36 - 37 -الطبعة الثامنة).

ولم يكن اضطهادها موجهًا إلى الوثنيين والمخالفين في الدين فحسب بل موجهًا إلى المسيحيين الذين لهم رأي أو مذهب يخالف مذهب الحكام، أو مذهب الكنيسة المعتمدة لديهم.

والذين قرأوا تاريخ المسيحية يعرفون ماذا جرى للعالم المصري (آريوس) وأتباعه الذين عارضوا القول بألوهية المسيح، في مجمع نيقية المشهور (325م) وكيف قرر هذا المجمع ـ بعد أن طرد من أعضائه كل المعارضين ـ وهم الأكثرية ـ إدانة (آريوس) وإحراق كتاباته، وتحريم اقتنائها، وعزل أنصاره من كل الوظائف، ونفيهم، والحكم بالإعدام على كل من أخفى شيئًا من كتابات (آريوس) ومن أيَّد مذهبه.

وباستمرار الاضطهاد للداعين إلى التوحيد اختفوا تمامًا من المجتمعات المسيحية، ولم يبق لدعوتهم أثر.

ولما ظهر مذهب البروتستانت في أوروبا ـ على يد (لوثر) وغيره ـ قاومت الكنيسة الكاثوليكية أتباع هذا المذهب بكل ما أوتيت من قوة، وعرف تاريخ الاضطهاد مذابح بشرية رهيبة، من أهمها مذبحة باريس (في 24 أغسطس عام 1572م) التي دعا فيها الكاثوليك البروتستانت ضيوفًا عليهم في باريس للبحث في تسوية تقرب بين وجهات النظر، فما كان من المضيفين إلا أن سطوا على ضيوفهم تحت جنح الليل، فقتلوهم خيانة وهم نيام ! فلما طلع الصباح على باريس كانت شوارعها تجري بدماء هؤلاء الضحايا ! وانهالت التهاني على (تشارلس التاسع) بغير حساب من البابا، ومن ملوك الكاثوليك وعظمائهم.

والعجيب أن البروتستانت لما قويت شوكتهم، قاموا بدور القسوة نفسه مع الكاثوليك، ولم يكونوا أقل وحشية منهم. (انظر (المسيحية) للدكتور أحمد شلبي ص51 - 52).

لقد قال (لوثر) لأتباعه: (من استطاع منكم فليقتل، فليخنق، فليذبح، سرًا أو علانية، اقتلوا واخنقوا، واذبحوا، ما طاب لكم، هؤلاء الفلاحين الثائرين) (الأيديولوجية الانقلابية ص710).

ويذكر (فيدهام) أن هذه الحروب كانت مليئة بالفظائع: لأن رجال اللاهوت (الطيبين) كانوا مستعدين دائمًا أن يضعوا الزيت على النار، وأن يحيوا وحشية الجنود عندما يساورهم أي تردد أو ضعف، فقد يكون الجنود قساة، ولكنهم كانوا يميلون في بعض الأحيان إلى الرحمة، أما رجال اللاهوت فاعتبروا الاعتدال والرحمة نوعًا من الخيانة! (الأيديولوجية الانقلابية ص716)

اسم الکتاب : سلام للعالمين المؤلف : أبو لحية، نور الدين    الجزء : 1  صفحة : 547
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست