ومما له علاقة بهذا أن النبي صلیاللهعلیهوآلهوسلم لم يكن يحلف بحلف أهل الجاهلية الذين
كانوا يحلفون بأصنامهم، ومما يروى في ذلك أن بحيرا حين ناشد النبي صلیاللهعلیهوآلهوسلم باللات والعزى، قال له النبي صلیاللهعلیهوآلهوسلم: (لا تسألني باللات والعزى شيئا، فوالله
ما أبغضت بغضهما شيئا)[2]
ويخبر رسول الله صلیاللهعلیهوآلهوسلم أنه ما هم بشيء من فعل الجاهلية من
اللهو، ولو كان من المباح، فعن علي قال: سمعت رسول الله صلیاللهعلیهوآلهوسلم يقول: (ما هممت بشئ مما كان أهل
الجاهلية يهمون به من الغناء إلا ليلتين كلتاهما عصمني الله منهما.
ثم ذكر تينك الليلتين، فقال: (قلت ليلة
لبعض فتيان مكة، ونحن في رعاية غنم أهلنا، فقلت لصاحبي: أبصر لي غنمي حتى أدخل
مكة، فأسمر بها كما يسمر الفتيان، فقال: بلى، فدخلت حتى إذا جئت أول دار من دور
مكة سمعت عزفا وغرابيل ومزامير، قلت ما هذا؟ قيل: تزويج فلان فلانة، فجلست أنظر،
وضرب الله على أذني، فو الله ما أيقظني إلا مس الشمس، فرجعت إلى صاحبي فقال: ما
فعلت؟ فقلت: (ما فعلت شيئا)، ثم أخبرته بالذي رأيت.
ثم قلت له ليلة أخرى: أبصر لي غنمي حتى
أسمر بمكة، ففعل، فدخلت، فلما جئت مكة سمعت مثل الذي سمعت تلك الليلة، فجلست أنظر،
وضرب الله على أذني، فوالله ما أيقظني إلا مس الشمس، فرجعت إلى صاحبي، فقال: ما
فعلت؟ فقلت: لا شي، ثم أخبرته بالذي رأيت، فو الله ما هممت ولا عدت بعدهما لشئ من
ذلك، حتى أكرمني الله بنبوته[3].
[1] رواه الطبراني والبيهقي في الدلائل وابن
جرير في التهذيب، وأبو نعيم في المعرفة وفي الدلائل، وهذا يدل على أن هذه الحادثة
مخالفة للأولى، وقد قال السهيلي وتبعه ابن كثير وأبو الفتح وابن حجر: إن صح حمل
على أن هذا الأمر كان مرتين مرة في حال صغره، ومرة في أول اكتهاله عند بنيان
الكعبة.
[2] رواه الترمذي، أبو نعيم في الدلائل (127)
وابن سعد في الطبقات:1 / 100.
[3] رواه ابن إسحاق وإسحاق بن
راهويه والبزار وابن حبان، قال ابن حجر: وإسناده حسن متصل.