فالفطرة البشرية تقول بوجود الروح.. والدليل على ذلك اتفاق جميع أمم الأرض
على ذلك، ولا يمكن لجميع أهل الأرض أن يتفقوا على شيء واحد في مثل هذه الخطورة.
لقد كان سقراط وإفلاطون يعتقدان أنّ الروح جوهر خالد موجود منذ الأزل،
وعندما يكتمل الجنين في بطن اُمّه تتعلق به الروح، ثمّ تعود بعد الموت إلى محلّها
الأول، ويرى إفلاطون أن هناك روحين: إحداهما الروح العاقلة وهي الخالدة ومحلها
الدماغ، والاُخرى غير خالدة ولا عاقلة، وهي قسمان: غضبية ومستقرها الصدر، وشهوية
ومكانها البطن.
وذهب أرسطو إلى الاعتقاد بحدوث الروح مع حدوث البدن، فعندما يتكامل البدن
توجد الروح دون أن تكون لها سابقة حياة قبل حدوثها، وعدّ ثلاثة صنوف من الأرواح
منبثّة في مجموع البدن، وهي: الروح العاقلة ـ أو النفس الناطقة ـ وهو يقول
بتجردها، والروح الحاسة أو الحيوانية، والروح الغاذية، ولا يقول بتجرد الأخيرتين.
واهتم ديكارت بتمييز الروح عن الجسم، وتحديد خصائص كلّ منهما، فاعتبر الروح
جوهراً أخصّ صفاته الفكر، ولا يتصوّر فيه إمكان التجزّي والانقسام وعدم التجانس في
أجزائه، واعتبر الجسم جوهراً أخص صفاته الامتداد، ومن أحواله الصورة والحركة،
ويقبل الانقسام والتجزّي والتغير بطبيعته.
وغيرهم من الهنود والصينيون.. اتفقوا على أن حقيقة الإنسان هو كيان روحي
مجرَّد عن صفات المادة وخصائصها، وهو غير البدن العضوي والجهاز المادي الذي يؤدي
الفعاليات والنشاطات المادية. وهو الذي ينطق عنها الإنسان فيقول (أنا)، فليس (الأنا)
الذات الإنسانية هي ذلك الكيان الجسدي، بل هي ذلك الكيان الروحي المستقل.
والكيان الإنساني (الروح) هو القوة المدركة، وهو القوة التي تشعر بالألم
واللذّة والخوف والسرور والحزن، وهو القوة الناطقة، وما الجسم إلاّ آلة لتنفيذ
مآرب النفس، وليست الأجهزة الحسّية والدماغ إلاّ أدوات يستخدمها الإنسان (الكيان
الروحي) لفهم العالم المادي والتعامل