ثم في منتصف الزمن الجيولوجي الثاني بدأت كلتا القارتين في التمزق بعد أن
تعرضتا للانكسارات المتتالية، وأخذ كثير من أجزائها في الزحزحة بعيداً عن الكتلتين
الأصليتين لكن على امتداد تلك الانكسارات في ثلاثة محاور رئيسية: أحدها في اتجاه
الشمال، والثاني في تجاه الشرق، والأخيرة صوب الغرب باستثناء قارات اليابسة الذي
كون القارة المتجمدة، والتي حافظت على وضعها، وظلت في مكانها مكونة قارات العالم
المختلفة، وتمددت البحار الداخلية مكونة البحار والمحيطات على ما هو الوضع الآن.
وقد استدل واجنر على نظريته بكثير من الأدلة والشواهد (كالرواسب البحرية)
في مناطق لا تغمرها مياه البحار حالياً كالخليج العربي على سبيل المثال، ومن
الرواسب التي تراكمت خلال ملايين السنين وتعرضت لعوامل الضغط المختلفة برزت الجبال
الالتوائية كجبال الألب في أوربا، وأطلس في أفريقيا، والهيمالايا في آسيا، والطيور
المختلفة التي تعيش في مناطق متباعدة ومترامية الأطراف، ولكنها تشترك في نفس
السلالة كالنعام الأفريقي[1].
وقد أصبحت هذه النظرية علمية تماماً بعد اكتشاف (الجاذبية الحجرية)، واستطاع
العلماء بعد دراسة اتجاهات ذرات الحجارة تحديد موقع أي بلد وجدت به هضبة في الزمن
القديم، وأن أجزاء الأرض لم تكن موجودة في الأزمنة القديمة، كما توجد عليه الآن،
وإن كانت كما حددتها نظرية تباعد القارات[2].
[1]هناك من استدل
بقوله تعالى:﴿ أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَاوَاتِ
وَالْأَرْضَ كَانَتَا رَتْقاً فَفَتَقْنَاهُمَا وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ
شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلا يُؤْمِنُونَ) (الانبياء:30)، على اعتبار أن السواحل كانت
متداخلة، أي أنها كانت رتقاً قبل أن تتزحزح.
وهو معنى إشاري
صحيح.. ولو أن نص الآية ينصرف لما سبق ذكره من نظرية الانفجار العظيم.
[2] هناك من استدل
لهذا بقوله تعالى:﴿ وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا) (النازعـات:30)
حيث يشير لفظ أو مفهوم (الدحو) الوارد في الآية إلى تسوية الشيء ونثره، أي: تباعده
كما يقول المثل: (دحي المطر الحصى) أي: فرق وباعد المطر حبات الحصى، وهو نفس
المعنى والمفهوم المستخدم في اللغة الإنجليزية لكلمة Drift والتي استخدمت للتعبير عن هذه النظرية العلمية
الحديثة.