في اليوم الثالث.. واصل المؤتمر أعماله بمحاضرات ترتبط بالحياة كما ورد
الحديث عنها في القرآن الكريم، وقد كان الحديث في تلك المحاضرات لا يختلف عن
الحديث في المرات السابقة، حيث غلب الجانب البياني والتوثيقي على الجانب العلمي
والعقلي، فلذلك لم يكد يفهم أصحابي من العلماء شيئا مما قيل.
ثم قدم صاحبي عالم الحياة محاضرته، وقد كانت في وصف مظاهر الحياة وجمالها
ودقة صنعها.
وصاحبي هذا من خلال تعرفي عليه رجل لا علاقة له بالدين من الأساس.
وسر ذلك يرجع إلى تصوره المادي للكون من جهة، وقد وجد من النظريات المادية
ما يدعم هذا الاعتقاد، ووجد في نظرية التطور ما يدعم اعتقادة بالنشأة المادية
للحياة..
وهو لذلك لا يجد مبررا لوجود خالق للكون..
ولكني ـ مع ذلك ـ لاحظت عليه من خلال سماعه لعلي في اليومين السابقين بعض
التأثر، فقد كان يسمع ما يدور من حوار، بل كان يتنصت بلهفة، وكأنه يريد من النور
ما يقضي به على الظلمات التي تملأ جوانب نفسه.
لقد صارحني بالاكتئاب الذي يعانيه.. وصارحني أكثر بأن للصورة المادية التي
يتصورها للكون تأثيرها الكبير في ذلك الاكتئاب..
فالحياة تولد.. ثم تعيش فترة قصيرة جدا.. ثم لا تلبث حتى يضمها الفناء،
ليلقيها في صحراء العدم الأبدي.
كان يبكي بكل كيانه، وهو يعبر عن هذا العبث الذي امتلأت به الحياة.
^^^
في مساء ذلك اليوم.. التقينا مع علي ـ بعد الاتصال به عن طريق صديقه حذيفة
ـ في محمية