ومما دفع الدراسات الفلكية والفيزيائية إلى نفي إمكانية وجود فراغات في
الجزء المدرك من الكون أسباب كثيرة:
منها أنه في أواخر السبعينيات وأوائل الثمانينيات من القرن العشرين قام عدد
من الفلكيين بعملية مسح للجزء المدرك من السماء لعمل خرائط جديدة له، ثلاثية
الأبعاد، وفي أثناء ذلك لاحظوا وجود العديد من المناطق المظلمة التي لا تحتوي
نجوما مضيئة بين المجرات، وسموها مجازا(بالفجوات) أو(الفقاعات) وانطلقوا من
ذلك الي الاستنتاج بأن الكون المدرك يشبه قطعة الإسفنج المليئة بالفجوات، وتمثل
المجرات فيها خيوط الاسفنج المنسوجة بإحكام حول تلك الفجوات، واعتبروا تلك
الفجوات خيوطا كونية عملاقة.
ولما كانت فجوات الإسفنج ليست فراغا لامتلائها بالهواء أو بالماء، فإن
المناطق المظلمة بالكون المدرك ليست فراغا لامتلائها بالدخان الكوني، وبمختلف صور
الأشعة الكونية، بل قد يكون فيها من صور المادة والأجرام الخفية ما يفوق كتل
المجرات المحيطة بها مجتمعة.
ويعتقد عدد من الفلكيين المعاصرين أن هذه المناطق المظلمة تتكون أساسا من
المواد الداكنة الباردة التي تمثل الكتلة المفقودة في الكون المدرك، وقد تحتوي
علي أعداد من الثقوب السود، وأن هذه المادة الداكنة الخفية والثقوب السوداء التي
أمكن إدراكها بطرق غير مباشرة، أمكن حساب كتلتها بما يزيد علي تسعين بالمئة من
كتلة الجزء المدرك من الكون.
ففي سنة1981 اكتشف عدد من الفلكيين تلك المناطق المظلمة من الكون المدرك في
كوكبة العواء، أو كوكبة راعي الشتاء التي تقع في نصف الكرة الشمالي، وظنوها
فراغات هائلة أو فقاعات عظيمة، ثم تبين لهم بعد ذلك أن أمثال تلك المناطق المظلمة
منتشرة في مختلف أرجاء الكون المنظور، وحتي في داخل مجرتنا، وأنها من أساسيات
النظام الكوني، ومن أسرار بنائه، وأن لها دورا مهما في تماسك ذلك البناء..
وهكذا توالت الاكتشاف المثبتة لهذا.