اسم الکتاب : التراث السلفي تحت المجهر المؤلف : أبو لحية، نور الدين الجزء : 1 صفحة : 93
يفهم من
الحديث ما لم يفهموه.
وقد اتفق
سلفهم وخلفهم على هذا الاعتبار الخطير الذي يعزل رسول الله (صلیاللهعلیهوآلهوسلم)
عزلا تاما، وعن كبرى القضايا ليدع له هامشا محدودا في فضائل الأعمال ونحوها.
وهم يروون في
هذا عن مالك بن أنس قوله: (سمعت من ابن شهاب أحاديث لم أحدث بها إلى اليوم، قلت:
لِمَ يا أبا عبد الله؟ قال: لم يكن العمل عليها فتركتها)[1]
ويروون عن الإمام
أحمد قوله لبعض أصحابه:(إياك أن تتكلم في مسألة ليس لك فيها إمام)[2]، ويروون قوله في رواية الميموني:(من تكلم
في شئ ليس له فيه إمام أخاف عليه الخطأ)[3] والإمام كما يفهمونه هنا هو سلفهم الذي يشاركهم في
عقائدهم ومواقفهم.
ولهذا نراهم
يعتبرون من يرجع للسنة وحدها دون أقوال السلف فيها مبتدعا ومنحرفا، فلذلك يعتبرون
من عيوب أبي القاسم عبد العزيز بن عبد الله الشافعي المعروف بالدّاركي أنه (ربما
أفتى على خلاف مذهب الإمامين الشافعي وأبي حنيفة، فيقال له في ذلك، فيقول: ويحكم!
حدث فلان عن فلان عن رسول الله (صلیاللهعلیهوآلهوسلم) بكذا وكذا، والأخذ بالحديث أولى من الأخذ
بقول الشافعي وأبي حنيفة)[4]
وقد علق الذهبي
على كلام الدّاركي بقوله:(قلت:هذا جيد، لكن بشرط أن يكون قد قال بذلك الحديث إمام
من نظراء هذين الإمامين مثل مالك، أو سفيان، أو الأوزاعي، وبأن يكون الحديث ثابتاً
سالماً من علة، وبأن لا يكون حجة أبي حنيفة والشافعي حديثاً
[1] رواه أبو نعيم في الحلية (6/322)، انظر السير للذهبي (8/107)