اسم الکتاب : السلفية والنبوة المدنسة المؤلف : أبو لحية، نور الدين الجزء : 1 صفحة : 51
وإنّما يفاض عليه كل شيء منه، قال تعالى: ﴿يَاأَيُّهَا
النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ
الْحَمِيدُ﴾ [فاطر: 15]، فكما أنّ وجوده مفاض من الله سبحانه، فهكذا كل ما
يوصف به من جمال وكمال فهو من فيوض رحمته الواسعة، والاعتقاد بالهداية الذاتية، وغناء
الممكن بعد وجوده عن هدايته سبحانه يناقض التوحيد الإفعالي الذي شرحناه في موسوعة
مفاهيم القرآن) [1]
وما ذكره
العلامة السبحاني هو ما دلت عليه النصوص القرآنية الكثيرة التي تذكر كل حين بأن الهداية
مكتسبة من الله سبحانه وتعالى، من غير فرق بين الإنسان وغيره، كما قال سبحانه: ﴿قَالَ
رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى ﴾ [طه: 50] وقال:
﴿ الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى (2) وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدَى﴾ [الأعلى:
2، 3]، وقال: ﴿وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا وَمَا
كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلَا أَنْ هَدَانَا اللَّهُ ﴾ [الأعراف: 43]، وقال:
﴿قُلْ إِنْ ضَلَلْتُ فَإِنَّمَا أَضِلُّ عَلَى نَفْسِي وَإِنِ اهْتَدَيْتُ
فَبِمَا يُوحِي إِلَيَّ رَبِّي إِنَّهُ سَمِيعٌ قَرِيبٌ﴾ [سبأ: 50] وغيرها
من الآيات الكريمة.
وبذلك فإن
الآية على هذا الفهم العرفاني (تهدف إلى بيان النعم التي أنعمها سبحانه على حبيبه
منذ صباه فآواه بعد ما صار يتيماً لا مأوى له ولا ملجأ، وأفاض عليه الهداية بعدما
كان فاقداً لها حسب ذاتها، وأمّا تحديد زمن هذه الإفاضة فيعود إلى أوليات حياته
وأيّام صباه بقرينة ذكره بعد الإيواء الذي تحقّق بعد اليتم، وتمّ بجدّه عبد المطلب
فوقع في كفالته إلى ثماني سنين ويؤيّد ذلك قول الإمام أمير المؤمنين (ع): ( ولقد قرن الله به (صلّى الله عليه وآله وسلّم) من
لدن أن كان فطيماً أعظم ملك من ملائكته يسلك به طريق المكارم ومحاسن أخلاق العالم
ليله ونهاره)[2]