اسم الکتاب : رسول الله..والقلوب المريضة المؤلف : أبو لحية، نور الدين الجزء : 1 صفحة : 98
أما النووي فقد نقل إجماع الشراح على أن الحكمة كانت مع عمر وغيره من
الصحابة الذين منعوا النبي (صلیاللهعلیهوآلهوسلم) من الكتابة، فقال: (أما كلام عمر رضي الله عنه فقد اتفق العلماء
المتكلمون في شرح الحديث على أنه من دلائل فقه عمر و فضائله و دقيق نظره، لأنه خشي
أن يكتب (صلیاللهعلیهوآلهوسلم) أموراً ربما عجزوا عنها
واستحقوا العقوبة عليها لأنها منصوصة لا محالة للاجتهاد فيها، فقال عمر: حسبنا
كتاب الله لقوله تعالى ﴿ ما فرطنا في الكتاب من شيء ﴾ وقوله تعالى ﴿
اليوم أكملت لكم دينكم ﴾ فعلم أن الله تعالى أكمل دينه فأمن الضلالة على
الأمة وأراد الترفيه على رسول الله (صلیاللهعلیهوآلهوسلم)، فكان عمر أفقه من ابن عباس و موافقيه)[1]
أما شيخ الإسلام البشري، وإماما السنة المذهبية ابن تيمية، فقد استطاع
بذكائه اللامحدود، وبحكمته اللانهائية أن يكتشف ما في ذلك الكتاب الذي لم يمله (صلیاللهعلیهوآلهوسلم)، فقال ـ بكل جرأة ـ: (الذي وقع في مرضه كان
من أهون الأشياء وأبينها، وقد ثبت في الصحيح أنّه قال لعائشة في مرضه: (ادعي لي
أباك وأخاك حتّى أكتب لأبي بكر كتاباً لا يختلف عليه الناس من بعدي)، ثم قال: يأبى
الله والمؤمنون إلّا أبا بكر، فلمّا كان يوم الخميس همَّ أن يكتب كتاباً فقال عمر:
ماله أهجر؟ فشّك عمر هل هذا القول من هجر الحمى؟ أو هو ممّا يقول على عادته؟ فخاف
عمر أن يكون من هجر الحمى، فكان هذا ممّا خفى على عمر، كما خفى عليه موت النبي (صلیاللهعلیهوآلهوسلم) بل أنكره، ثمّ قال بعضهم: هاتوا
كتاباً، وقال بعضهم: لا تأتوا بكتاب، فرأى النبي (صلیاللهعلیهوآلهوسلم) أنّ الكتاب في هذا الوقت لم يبق فيه فائدة ؛ لأنّهم يشكون هل أملاه مع
تغيره بالمرض أم مع سلامته من ذلك، فلا يرفع النزاع، فتركه، ولم تكن كتابة الكتاب
ممّا أوجبه الله عليه أن يكتبه أو يبلغه في ذلك الوقت ؛ إذ لو كان كذلك لما ترك (صلیاللهعلیهوآلهوسلم) ما أمره الله به، لكن ذلك ممّا رآه
مصلحة لدفع النزاع في خلافة أبي بكر، ورأى أن الخلاف لا بدّ أن يقع، وقد سأل ربّه
لأمّته ثلاثاً فأعطاه اثنتين، ومنعه واحدة، سأله أن لا يهلكهم بسنة عامة، فأعطاه
إياها، وسأله أن لا يسلط عليهم عدواً من غيرهم، فأعطاه إياها،