اسم الکتاب : كيف تناظر ملحدا..؟ المؤلف : أبو لحية، نور الدين الجزء : 1 صفحة : 55
أما ديكارت،
والذي كان له دور كبير في عصره وغيره من العصور، حيث راح يلغي ثنائية العقل
والإيمان، باطراح الإيمان، وإعادة حقوق العقل إليه، وتخليصه من الحسبانية، وقضائه
على الشك، بسلاحٍ مأخوذٍ من الشك نفسه، كما عبر عن ذلك بقوله:(إن قضية [أدرك فأنا
إذن موجودٌ] حقيقةٌ بديهية، وهذه الحقيقة لا تسقط في أي زمان بساحة الذاكرة، ولا
تزال غير فاقدة لبداهتها حتى تصل إلى الله؛ فإذا وصلت إليه تُيقِّن أن العقل أنشئ
لفهم الحقيقة، ويتضمن هذا اليقينَ المقدماتُ المستخدمة في إثبات وجود الله أيضاً)[1]
وهو يقصد بذلك
أنه يشك في كل ما ليس بمبرهن عليه، ولا يُقبَل، ما عدا الظاهر بذاته، أو بغيره، أو
تدل الأدلة والبراهين عليه..
وقد مارس بذلك
ما مارسه جميع المؤمنين الذي قد ينطلقون من الشك، ليحققوا الإيمان، فالخروج من
الإيمان الوراثي يستدعي طرح تساؤلات تشكيكية ليصل صاحبها بعدها إلى بحر الحقيقة
الذي لا ساحل له.. ولذلك يحتاج إلى أن يبحر في زورق صحيح من البراهين العقلية،
ليتمكن من الاستمرار في الطريق.
لقد فعل ذلك
الكثير من الفلاسفة والمفكرين، ومنهم [طوماس في سوم أولوزيك] الذي بدأ أبحاثه
الإلهية بطرح هذا السؤال: (هل الله موجود؟)، ثم راح يجيب عليه بقوله: (و ليكن
جوابنا بالنفي).. ثم راح يورد الاعتراضات العقلية على ذلك النفي إلى أن أثبت
الوجود.
والميزة التي
جعلت من ديكارت أستاذا للإيمان كما أنه أستاذ في الفلسفة هو اعتباره لموجودية
الإدراك الأساس الذي ينطلق منه اكتشاف الحقائق، كما عبر عن ذلك بقوله: (مهما كان
ترتيب المعاني، الذي يراد تقريره في الفلسفة، فالشيء الذي يبقى حقيقة دائماً،