responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : كيف تناظر ملحدا..؟ المؤلف : أبو لحية، نور الدين    الجزء : 1  صفحة : 471

ومن جملة الأمور الفطرية المودعة في وجود الإنسان، والّتي تتفجر في أوائل البلوغ والتمييز معرفةُ الله سبحانه، والميل إلى الأمور الحسنة، والانزجار عن الأمور السيئة، ولأجل ذلك لاترى إنساناً ـ لم يقع تحت تأثير الأهواء وعوامل الانحراف ـ يَعُدُّ ردّ الامانة قبيحاً، والخيانة بها كرامة، كما لا يعد العمل بالعهد أمراً سيئاً، ونقضه أمراً حسناً، وهكذا الكثير من الأمور كالميل إلى العفة والعدالة والإنزجار عن الدناسة والخيانة.. وكل ذلك ممّا يلمسه الإنسان في حياته ويعايشه في وجدانه، وقد كشف عنه العلم الحديث وأيّده.

لكن هذه الغرائز ـ وإن كان بها قوام الحياة ـ قد تخرج عن فطريتها، وتحتاج إلى تهذيب وتزكية وتربية، مثلها مثل الثلوج المتراكمة على قمم الجبال إنما يمكن الإنتفاع بها إذا كان هناك جداول وقنوات تمتد من رأس كلّ جبل إلى السهول المحيطة به، فتسيل فيها مياه الثلوج الذائبة بالتدريج. وفي غير تلك الصورة يسيل الماء كيف كان، جارفاً في طريقه الاحجار والصخور، وربما أنقلب إلى سيل جارف يدمّر كلَّ شيء أمامه.

وكذلك الفِضَل المغروسة، أو البذور المنثورة على الأرض، تحمل في ذواتها قوى واستعدادات، إلا أنَّ تفجُّر تلك الطاقات يحتاج إلى من يتعهدها حراسةً وسقايةً وعنايةً على النحو المأنوس، وعندها تصير الفِصل أشجاراً مثمرة، والبذور سنابل ذهبية.

فإذا كانت الإستفادة من الثلوج المتراكمة على الجبال، والفصل المغروسة والبذور المنثورة على الأرض، متوقفاً على هداية خاصّة، حتى تصب في مجراها الصحيح، وتَرْشُدَ على نهجها الطبيعي، فكذلك الأمر في السجايا الإنسانية والغرائز البشرية الكامنة في وجود الإنسان، فإنها لن تعود عليه بالنفع والصلاح إلا في ظل هداية تمنعها من الإفراط والتفريط، وتسيّرها في ما هو صالح البدن والروح.

وكمثال على ذلك غريزة الميل إلى عوالم الغيبية، فان لها جذوراً في عمق وجود الإنسان، ولم يزل كل انسان من صباه إلى كهولته ميّالاً إلى تلك العوالم، شغوفاً بحب

اسم الکتاب : كيف تناظر ملحدا..؟ المؤلف : أبو لحية، نور الدين    الجزء : 1  صفحة : 471
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست