اسم الکتاب : ما قاله الملاحدة.. ولم يسجله التاريخ المؤلف : أبو لحية، نور الدين الجزء : 1 صفحة : 33
وبجانب ذلك فإن مثل هذه المعجزات لا نفع
منها للإله.. فإذا كان كلي القدرة، ألم يكن قادراً على تغيير عقول مخلوقاته وفق
إرادته؟ فكي يقنعهم يكفيه أن يقتنعوا.. إذ لم يكن عليه إلا أن يقول لهم أشياء
واضحة ومعقولة، أشياء يمكن البرهنة عليها؛ وكانوا سيجدون أنفسهم قابلين لما هو على
بينة واضحة.. وكي يفعل ذلك لم يكن بحاجة إلى معجزات أو متأولين؛ فالحقيقة وحدها
كانت كافية لفوزه بتصديق الإنسانية كلها)[1]
لقد قلت ذلك، وأنا ممتلئ زهوا وفرحا
وخيلاء، وكأن الله كان بين يدي مثل ذلك القطيع من الخدم الذي كنت أتحكم فيه.. بل
إنني كنت أتصور نفسي أعظم من الله نفسه، فأنا لم أكن أتقيد بالقوانين أبدا .. لا
التي أضعها، ولا التي وضعها غيري.. كنت متمردا على كل شيء.. ومع ذلك كنت أطالب
الله ألا يخرق القوانين التي يضعها.
لاشك أن في كلامي ذلك مغالطات كثيرة ليس
هذا محل الرد عليها.. ولكني أردت أن أشهد بين أيديكم فقط، بأني لم أقل ذلك إلا لأستمطر
منهم الثناء والمديح، ولأبين لهم أني متنور متحرر لا يصدق بالخوارق، ولا يؤمن بها.
لم يكن ذلك وحده ما كنت أقوله عن الله ..
بل كنت أقول كلاما أكثر خطرا.. كنت أقول مثلا: (إله حكيم لا يصل تدبيره إلى النجاح
أبداً؛ إنه إله عظيم، يشغل نفسه دائماً بصغائر الأمور وأتفهها؛ إله مكتف بذاته،
لكنه عرضة للغيرة؛ إله قوي، لكنه شكاك ومنتقم وقاس؛ إله عادل، لكنه يسمح بحدوث
أكثر الأفعال ظلماً)[2]
وكنت أقول: (إن الأزلي [الإله] بعد أن
ملَّ من عدم الفعل، قدر ذات يوم أن يخلق عالماً ضرورياً لمجده. وكي يحقق ذلك فقد
خلق مادة من العدم؛ روح خالصة تنتج جوهراً ليست بينه وبينها أي نسبة؛ وعلى الرغم
من أن هذا الإله يملأ كل المكان بعظمته، إلا أنه لا
[1] هذا النص من كتابه
[رسائل إلى يوجينيا، أو الحامي من التحاملات الدينية]